ضفاف الفرات.. من الإهمال إلى التعديات!؟

من رأى نهر الفرات يوماً وهو في أوج تدفقه وصفائه لا شك أنه أدرك مدى أهميته وجماله، وبالتأكيد أنه راح يحسد نفسه على مروره في أراضينا. ومن سيراه اليوم سيبصر بأم عينه حجم المأساة الواقعة على النهر، وسيقف مشدوهاً من خيبة الأمل.. إذ سيجد نفسه أمام شبح هزيل شاحب وملوث..

ويبقى واجبنا ولزاماً علينا أن ننقل الوقائع ونبين أسبابها ونتائجها ومن يقف وراءها، ليتمكن أصحاب الحق ونحن منهم، من تحديد الموقف واتخاذ الخطوات العملية لكشف وتعرية المسؤولين عن الحيف الذي طال النهر نتيجة الإهمال وعدم تقدير النعمة/ الثروة والمحافظة عليها..

«روح بلط البحر».. عبارة تُستخدم للدلالة على الاستحالة!!  لكن تبليط النهر لا يختلف كثيراً عن تبليط البحر.. وهذا ما حدث في دير الزور لقد بُلّط النهر.. فهل هذه معجزة ما قام بها فاسدون مشعوذون أو سحرة!؟ وهل الأمور بحاجةٍ إلى نبيّ بيده عصاه فيلتهم ثعابين هؤلاء السحرة، ويبين أنهم كاذبون وأنهم يلبون رغبات فراعنة الفساد!؟

نعم، لقد بُلّط الفرع الصغير من نهر الفرات منذ سنوات، وحُوّل إلى مسمكة، وتحولت شواطئه إلى مكبّ لبعض النفايات، ولا ترى في الضفة اليمنى شجرةً إلاّ نادراً، ولولا لفتة شجاعة من جمعية أصدقاء البيئة (حياة)، التي بادرت، واستطاعت أن تحصل على جزء من هذه الضفة محولة إياها إلى حديقةٍ تحوي نباتات بيئية طبيعية وملجأ لهم وللفقراء من أبناء المدينة، لكان الأمر أكثر كارثية..

لكن ما تبقى من الضفة المذكورة، وهنا نتكلم عن مساحة واسعة، ما تزال أرضاً جرداء وكأنها ليست على ضفاف الفرات مهد الحضارات، والأسوأ من ذلك أن مجلس المدينة يغض الطرف عن التعديات الواضحة على حرم النهر وشواطئه من الردميات والبقايا والتوسعات التي يمارسها بعض الملاكين من أصحاب النفوذ، علماً أن القوانين والدستور يعتبر الضفاف ملكاً للدولة، أي ملكاً للشعب، كما أن هؤلاء المتنفذين معروفون من المسؤولين قبل المواطنين، ومن أراد أن يتيقن ويطمئن قلبه، فليتمشّ بجانب الشاطئ من جسر الجورة بداية الفرع الصغير إلى نهايته في حي هرابش، حيث المصيبة الأعظم في منطقة مصب الصرف الصحي، عند ذلك يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود!!

والحال كذلك، يجب التأكيد أنه من الضرورة إعادة تأهيل هذه الضفاف كي تكون متنفساً بيئياً مجانياً للمواطنين، وليس كما يسعى البعض بطرحها للاستثمار، فهذه الضفاف لا تحتاج إلاّ إلى تعشيب الأرض وغرس الأشجار ووضع بعض المقاعد، والماء قريب وباستخدامه الأمثل يصبح كل شيء سهلاً، وإذا ما تم ذلك نكون قد كسبنا منظراً جميلاً لمدينة دير الزور، وبيئة نظيفة للمقيم والوافد، وهذا برسم مجلس المدينة ومكتبه التنفيذي، وإن لم يكن التبليط ذنبهم وإنما ذنب من سبقهم!!

ولا يفوتنا التأكيد أن هذا الإهمال وهذه التعديات الواردة أعلاه، لا تطال ضفاف الفرع الصغير فقط، وإنما الفرع الكبير النهر، وكذلك الجزر النهرية، حيث يرتكب العديد من أصحاب الفلل والمزارع من المسؤولين والمتنفذين ومن لفّ لفهم تجاوزات متعددة الأنواع والمظاهر، ولا نستغرب هذه الاستباحة منهم، فهذا ما دأبوا على فعله منذ زمن دون أن يتعرضوا للمساءلة أو المحاسبة. لكن هل يمكن السكوت عن ذلك إلى الأبد؟ إن الساكت عن هذه التجاوزات من المسؤولين هو شيطان أخرس، ومحاسبته ومحاسبتهم يجب أن تكون دنيوية وليست أخروية، وهذا برسم كل من يؤمن أن النجاح في محاربة الفساد هو نقطة البداية في تحقيق كرامة الوطن والمواطن..