جامعة الفرات.. ما غاية العقوبات الجامعية؟

لا شكّ أن جميع عمليات الغشّ مرفوضة قانونياً وأخلاقياً، لذا حرص المشرعون على ردع وضبط هذا النوع من المخالفات بنصوص واضحة، تتدرج في كبح هذه الظاهرة بدءاً من التنبيه إلى الإنذار، وصولاً إلى إنزال العقوبة بما يتناسب وحجم الخطأ المرتكب وتكراره..

نبدأ بهذه المقدمة لنقف عند ظاهرة الغش التي يرتكبها بعض الطلبة أثناء الامتحانات، وخصوصاً الامتحانات الجامعية، والعقوبات التي تفرض عليهم، ونأخذ جامعة الفرات نموذجاً..

بداية لابد من التنويه أن نسبة كبيرة من محاولات وحالات الغش هي حالات استثنائية، تفرضها حالة التردي المصابة بها المؤسسة التعليمية عموماً، لكن بين القاعدة العامة القانونية و(الاستثناء التعليمي) يتقرر مصير ومستقبل بعض الطلاب، فيحرمون من دورات هم أحوج إلى كل يوم وساعة ودقيقة لتجاوزها في ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتقلص فرص التعلم والعمل. والشيء الذي نود التنبيه إليه والتأكيد عليه أنه يجري التضخيم لحالات الفساد الصغرى، وتجاهل حالات الفساد الكبرى التي تجري بحقّ التعليم كما حدث في امتحانات الثانوية والجامعة، وفي التعليم العالي كما حدث في جامعة تشرين ومن حرمان أغلبية الطلاب الفقراء على مستوى الوطن من حقّهم في التعليم الجامعي عبر أساليب شتّى كرفع درجات القبول وسن القوانين الجائرة التي تؤدي إلى حرمان الطلاب من إكمال تحصيلهم وتدفعهم باتجاه التعليم الخاص وتحمّلهم أعباء مادية كبيرة .

ودخولاً في الموضوع نبيّن أن اثنتين وثلاثين حالة أو محاولة غشّ تم ضبطها في كلية الآداب بجامعة الفرات بدير الزور، وأحيلت إلى مجلس الجامعة، فأصدر فيها أحكامه التي لم تراعِ اللائحة التنفيذية في كثير من الحالات، من التنبيه إلى الإنذار إلى ...، وشُددت العقوبة، فتحوّل أغلبها من هدفها التقويمي كجنحة، إلى التجريم والجناية بلغة القانون.

ولنأخذ بعض الحالات: سبع حالات على الأقل تمت معاقبتهم بسبب رنين الجوال في حقائبهم الموضوعة بعيداً عن متناول أيديهم، فهل هذا معقول؟ صحيح أنه وضعت تعليمات تمنع إدخال الجوال إلى قاعة الامتحان، لكن من وضع جواله في الحقيبة البعيدة هل هو قادر على الوصول إليه والغش عن طريقه؟ طالب جاء في اللحظة الأخيرة من الوقت بعد أن ودع والده المسافر خارج القطر وهو من المميزين والمعروفين في اختصاصه. ونتيجة تسرعه وارتباكه نسي الجوال في جيبه، واتصل به والده ليطمئن إلى وصوله إلى الامتحان، فكان هذا الاتصال سبباً في معاقبته؟؟..

نورد هذه الأمثلة ونؤكد أن من غشوا متعمدين، وكرروا ذلك فلابد من محاسبتهم على قدر خطئهم، ولكن هناك أمران يستحقان التوقف عندهما، الأول: أن العرض على مجلس التظلم والرحمة بجامعة الفرات كان شكلياً ولم يأخذ بعين الاعتبار طبيعة كل حالة، واكتفى بتثبيت العقوبات المتشددة، والثاني: أن الخوف لدى المسؤولين في الجامعة ممن يكتبون التقارير إلى بعض الجهات هو على الغالب ما يدفعهم لإنزال العقوبات، وليس الحرص على مصلحة التعليم والطالب!؟ والشيء الأهم هو أن أساليب الامتحانات في جامعاتنا عموماً ما زالت متخلفة وتعتمد على الطريقة الحفظية والذاكرة فقط، وهذا ما يدفع الطلبة للتركيز على الحفظ ويوقعهم في الخطأ: الغش!.

ونحن إذ نوجه العتب لعمادة الكلية المدركة للظلم الواقع في مثل هذه الحالات، ونعذرها (قليلاً) لأنها محكومة بتعليمات وزارية وليس بيدها حيلة لتجاوزها، نوجه اللوم أكثر لرئاسة الجامعة ومجلسها لتشديده العقوبات، فيما الاتهام والتجريم يجب أن يطال وزارة التعليم العالي ممثلة عن الحكومة بسبب سياستها التي تنتهجها وتتنافى مع التوجهات العامة للدستور ومصلحة الشعب والوطن، من خلال ما تقوم به من تضييق على الطلاب، والاهتمام بالشكل على حساب المضمون، وعلى سبيل المثال التقصير في تطوير أسلوب الامتحانات والتركيز على الفهم والتجربة العملية والبحث العلمي والإبداع، وليس التركيز على الحفظ والذاكرة، ناهيك على العلاقة السلبية غالباً بين الطالب من جهة، والجهاز الإداري والتعليمي من جهة أخرى، وكذلك بما تقدمه من تسهيلات للجامعات الخاصة على حساب الجامعات الحكومية التي توضع أمامها العراقيل وتُشدد عليها القيود وتُحرم من الدعم اللازم.

إنّ إعادة النظر بالعقوبات المفروضة على الطلاب تمنحهم الأمل بمتابعة دراستهم بعد الاستفادة من التجربة والخطأ.. وهذا برسم وزارة التعليم العالي ورئاسات الجامعات الحكومية في شتى المحافظات.