حالات غلاء «سلاّلة» بين موجتين
تقوم بعض وسائل الإعلام الحكومية وغير الحكومية بدور المدافع عن مصالح الناس عند كل موجة غلاء عارمة، فتجادل وتعارض وتستبين آراء الناس، وتلجأ إلى المقارنات بين المستجد الراهن والقديم المتغير، بصدق، أو بمراوغة غير مكشوفة غالباً، فتشارك في الجلبة القائمة، وربما تعمل على توجيهها إن استطاعت إلى ذلك سبيلا، ثم تخبو صيحاتها ومحاججاتها واستطلاعاتها الرافضة بالتدريج بعد مرور الموجة بسلام نسبي مع بعض الأعراض الجانبية اجتماعياً واقتصادياً.
وربما أكثر من يدرك هذه المعادلة القائمة بكل التعمد المطلوب هو الحكومة، لذلك لا تلجأ إلى اعتماد هذه الموجات العارمة من الغلاء إلا في أوقات وظروف محددة مدروسة جيداً، فتجنباً لصدمة قد لا تكون محمودة العواقب نتيجة هذه الموجات، ابتدعت طرقاً أخرى لتنفيذ مآربها مستفيدة من تراكم خبراتها في إطار التحكم بالوعي الكلي للناس. وهكذا راحت منذ زمن ليس بالقصير، تقوم بين موجتى غلاء برفع أسعار مواد محددة دون سواها، مع الأخذ بعين الاعتبار ألا تتضمن الأنواع المنتقاة أكثر من مادة أساسية واحدة.. تم ذلك عند رفع أجور النقل مع سلع وحاجات أقل أهمية كبعض المواد المستوردة، وعند رفع أسعار السكر مع مواد لا تهم سوى شريحة بعينها كقطع غيار بعض السيارات، وعند رفع أسعار الكهرباء.. والأحذية غير المحلية، والخضار.. وأجور المطاعم، واللحوم والفاكهة.. وأجور الفنادق...إلخ.
اليوم هناك شيء من هذا القبيل يحدث دون أي ضجيج يذكر كونه يخضع للمعادلة السليمة السابقة، فقد ارتفعت أسعار عدد لا بأس به من أنواع السجائر دون تقديم أي تبرير أو مقدمات، فالحمراء الطويلة (الجديدة) ارتفع سعرها من 25 إلى 30 ل.س، والحمراء القصيرة (ورق) من 15 إلى 20 ل.س، وطال الرفع كل سجائر الغوتة بنسب مختلفة، وهو أمر أحدث ضجة في صفوف المدخنين، وما أكثرهم في سورية، ولكن من دون أن يكون لهذه الضجة أية نتائج في طريق الرفع كونه لم يأت ضمن موجة.. وبالمقابل تم تمرير رفع أسعار سلع أخرى أقل أهمية بشكل كبير دون أن ينتبه كثيرون لذلك، فبالتوازي مع رفع أسعار التبغ المصنع ارتفع سعر عرق الريان على سبيل المثال من 210 ل.س (سعر السوق) إلى 250 ل.س، مع تخفيض كمية العبوة من ليتر إلى ثلاثة أرباع الليتر. وارتفع رسم دخول دار الأوبرا من 150 – 300 ل.س.. ولا ندري على وجه الدقة ما هي الحاجات غير الأساسية الأخرى التي طالها الرفع، وإن كنا على يقين أنها كثيرة..
هكذا تتعامل الحكومة ومؤسساتها وفعالياتها مع (الجماهير الشعبية) التي يفترض أنها تعمل لتحقيق مصالحها وتلبية طموحاتها، وهكذا يحدث التحايل على التراكم الاجتماعي لإبقائه خاوياً ذاوياً خاملاً، فمن أين لهذا الشعب أن يدرك ما يجري حوله ليحاول تغييره؟ وكيف سيتسنى له الدفاع عن نفسه إذا كان لا يعرف أصلاً من أين، وكيف يتلقى الضربات المتتالية؟ وأين دور القوى الممثلة له التي يجب عليها، بالحد الأدنى، أن تعترض على ما يجري.. ولو بالكلام؟؟