صفقة كلمات تنموية
لماذا كذبت الحكومة السابقة في بيانات النمو، ولماذا تلاعبت بأرقامه، وهي الحكومة التي وعدت جميع السوريين بالرفاه والسعادة والجيوب المنتفخة في نهاية خطتها الخمسية العاشرة؟
ألم يقل ذات محاضرة مقررها الاقتصادي الدردري أنه من الضروري النظر إلى ما تحقق من أنجازات على أرض الواقع عند تقييم منجزات الخطة الخمسية، وأن بعض الذين يكتبون أو يقيمون الخطة الخمسية لم يطلعوا على محتوياتها، وأن تقييمها يجب أن يكون على أساس ما تحقق، وليس على أساس ما نرغب بتحقيقه.
ألم يخدعنا الدردري بقوله إن حجم الاقتصاد السوري في عام 2015 سيبلغ 100 مليار دولار، وأن المؤشرات التي تحققت في سورية خلال سنوات الخطة الخمسية العاشرة قريبة جداً من الأهداف المخططة وتجاوزتها في بعض المجالات..
ألم تكن كلماته الجزلة والدقيقة عن العدالة والكفاءة الاقتصادية، والاستدامة البيئية من أكبر ضروب الخديعة التي ساقتنا إلى ما نحن فيه: إن مبادئ الخطة تستند بشكل أساسي إلى مركزية المواطن، وتحسين الأوضاع الاجتماعية كشرط أساسي لاستدامة النشاط الاقتصادي، إضافة إلى التركيز على الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والاستدامة البيئية، وتحقيق الأمن القومي.
ولم يخرج الدردري عن هتافات حكومته عن المواطن الذي سيكون في قلب عاصفة الخطة التي تتميز بالتخطيط التأشيري في إطار التوجه نحو اقتصاد السوق الاجتماعي.. ولكنه في غمرة دخوله في عوالم خطته الاقتصادية تألق في تناول أهدافها الإستراتيجية التي تعتمد على الاستشراف المستقبلي الذي سيكون معتمداً على الإطار المرجعي، واستخدام الخطة لأسلوب النمذجة لتمثيل معدلات النمو والاستثمار.
ولأنه صوت الحكومة العالي رأى أن دورها في اقتصاد السوق الاجتماعي غاية في الأهمية والصعوبة في الإشراف على إدارة دفة التنمية، وتوفير البيئة الاستثمارية، وهو أهم وأصعب بعشرات المرات من دورها في التخطيط المركزي، وأن توفير الاستثمارات يتطلب حرية تبادل السلع والخدمات وتداول رأس المال وحرية سوق العمل.
لكل ما تقدم قادتنا الحكومة ببيانات الوهم التنموية إلى الفقر، وها هو اقتصاد الظل سيد الشوارع في مدننا التي يعمها الدعاء لليرة بالفرج، ويقف فيها أصحاب المعامل على أبوابها ضارعين إلى الله أن يذهب الكساد والركود، وأن يصلح الحال والسوق، وأن يجعل السوق الاجتماعية آخر الآثام.
تتوالى هذه الأيام انتقادات المسؤولين والصحفيين الرسميين لحكومة العطري وقراراتها الاقتصادية، ويذهب بعضها إلى اتهامها بأنها هي من جرت المواطن إلى الشارع، وهي من خدعت الناس والقيادة السياسية بأوهام التنمية، ومعدلات النمو.. ألم نكتب طوال سنوات جثومها على قلوبنا واقتصادنا أنها ستقودنا إلى الفقر، وأن رفع الدعم عن المواطن هو ما سيجلب انتكاسة اجتماعية واقتصادية، وأن من يعتلي قراراتها الاقتصادية ينفذ تعليمات البنك الدولي، ويرتهن لإرادة أخرى ليس فيها من مصلحة المواطن سوى جره إلى الجدار.
كان من أهداف الحكومة المنصرفة أن تصل إلى معدل نمو في نهاية خطتها يقترب من 7%، وأن تساهم في تخفيض نسبة البطالة، وتجعل من المواطن السوري مختالاً في سوق متينة واقتصاد مستقر، وكما قال رئيس الحكومة المنصرمة ذات تصريح إنها تسعى لتوفير الخدمات التعليمية والصحية، وتأمين فرص العمل، واستكمال شبكة الحماية الاجتماعية بشكل عام، وزيادة الرواتب والأجور، وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين... ولكن تقريراً اقتصادياً لم يقرأه أحد صدر عن اتحاد عمال دمشق يتحدث عن ارتفاع البطالة في سورية عام 2009 إلى 30%، وأن التضخم وصل إلى 20%.
الحكومة التي كذبت علينا عقداً من الجوع... من يحاسبها بعد كل التصريحات التي صدرت عن كبار مسؤولي الدولة؟ ومن سيصنع لنا وعد السعادة الذي أحالنا إلى مجرد صفقة كلام؟.