الجامعة وترويج ثقافة الاستهلاك..
أقيم مؤخراً في مقصف كلية الاقتصاد، وخلال أقل من أسبوعين، حفلتان موسيقيتان لموسيقا وأغاني «الروك» و«الميتال»، وهذا النوع من الفنون وإن كان هنالك من الشباب عموماً والطلاب خصوصاً من يفضله، إلا أن ذلك يبقى أمراً ذاتياً خاصاً يتعلق بالحرية الفردية لكل شخص.
أما أن يصبح هذا النمط الموسيقي والغنائي من صميم التوجه العام الذي ينتهجه ويرعاه الاتحاد الوطني لطلبة سورية، رغم أن أنصاره ومعجبيه هم أقلية سواء في الجامعة أو في المجتمع بشكل عام، ورغم التحفظات الكثيرة الأخلاقية والاجتماعية والفنية عليه حتى في البلدان التي ابتدعته وصدرته لنا، فهذا يترك الكثير من إشارات الاستفهام..
ثم أن يخصص اتحاد الطلبة لهذه الحفلات مكاناً عاماً يحتاجه ويطرقه جميع الطلاب، فكأنه يصر على فرض ذوق فني وافد وغريب على جميع الطلاب، ضارباً بعرض الحائط آراء وأمزجة كل من لا يستسيغ هذه الموسيقا ذات الطبيعة الخاصة جداً..
وفي العموم فإنه ليس مطلوباً من اتحاد الطلبة بوصفه منظمة شعبية تتكون من الطلبة وتخاطبهم أن يخلق مسافة بينه وبين العدد الأكبر من الجامعيين، عبر الترويج لموسيقا غريبة عن المجتمع لا تتمتع بقبول كبير أو جاذبية أو تميز فني. إن الموسيقا العربية والمشرقية بشكل عام غنية ومرهفة وشديدة الجذب والحضور، وكذلك توجد موسيقا غربية غاية في الرقي والجمال، ولكن لم نسمع أن اتحاد الطلبة رعى أو ساهم، وخاصة في الفترة الأخيرة، في إقامة أية نشاطات جدية لها ليرتقي بالذائقة العامة للطلاب..
من الجدير ذكره أنه ارتفعت خلال الحفلتين المذكورتين شعارات تقديس الشيطان، وحاملو هذه الشعارات، أي عبدة الشيطان، باتوا يشكلون ظاهرة غريبة وخطيرة في عدد من كليات الجامعات السورية يجب التنبه لها ومعالجتها بأسرع وقت، لما تشكله من خطر على الطلاب بزرعها فيهم روح الانعزال والتشاؤم واليأس والانحلال الخلقي والاغتراب الوطني والإنساني..
وأخيراً، يجب على اتحاد الطلبة أن يسعى بما يمتلكه من صلاحيات إلى معالجة مشاكل الطلاب وتوسيع هوامش حراكهم الوطني والمطلبي وتدعيم ثقافتهم الوطنية وانتمائهم لوطنهم وللجيد والعصري من تراثهم، لا الانجرار وراء الرديء من الثقافات الأخرى، خصوصاً في هذه المرحلة التي تشتد فيها هجمات ثقافة العولمة والاستهلاك على أوطاننا وثقافتنا وتراثنا، وترتفع فيها وتائر الوعيد السياسي والعسكري والاقتصادي مهدداً استقلالنا ووحدتنا الوطنية ووجودنا بشكل عام.