«مكدوس حشو ربو»!
نوار دمشقي نوار دمشقي

«مكدوس حشو ربو»!

تغير مفهوم «المونة» الذي ربينا عليه كعادة في مجتمعاتنا، وذلك لعدة أسباب؛ 

كان العامل الاقتصادي هو الحاسم فيها.

«مونة» المكدوس كما غيرها، في هذا الموسم أو سواه، كانت عبئاً على المواطن، وقد أصبحت لدى الكثيرين من المنسيات، وذلك لارتفاع تكلفة موادها ومكوناتها الأولية.

تكاليف مرهقة

بلغت أسعار هذه المكونات حسب التالي:

كيلو الباذنجان البلدي بحدود 100 ليرة – كيلو الفيلفلة الحمرا بحدود 300 ليرة– كيلو الجوز البلدي بحدود 5000 ليرة – كيلو الزيت البلدي 1300 ليرة – كيلو الثوم بحدود 1300 ليرة.

أي أن من يرغب التمون سيتكبد بحدود 30 ألف ليرة على أقل تقدير، وهي تكلفة مرتفعة لا يستطيع تحملها فقراء الحال ومحدودي الدخل من كل بد.

هذه التكاليف المرتفعة أدت إلى عزوف الكثيرين عن التمون بالمكدوس، كما أدت بالمقابل إلى بعض حالات الالتفاف والاحتيال على هذه العادة.

إبداع في الاحتيال

آخر إبداعات فقراء الحال والمعدمين على مستوى هذه «المونة» المنزلية هو ما أسره لي صديقي «أبو محمد» من خلال الحديث التالي الذي دار بيني وبينه:

أبو محمد: «إذا بدي مون مكدوس متل ما كان أهلي يعملوه، بدي حط راتبي كلو وعيش ع الهوا، مشان هيك صرت اتحايل ع الولاد بمكدوس (حشو ربو)».

قهقهت وضحكت كثيراً على عبارة (حشو ربو) التي لم أفهمها، مستفسراً منه عن معناها!.

أجابني أبو محمد: «ليش عم تضحك؟ يعني بيتنجان أسود مسلوق بدون حشوة، وتحديداً بدون جوز، لأن سعر الكيلو وصل للـ 5 آلاف ليرة، فاستغنينا عنو، وما عدنا غمرنا المكدوس بالزيت، صرنا منغمر بس اللي بدنا ناكلو أول بأول، توفير بالزيت كمان، لأن التنكة صارت بـ 20 الف ليرة، هي القصة وما فيها، واذا بدي أطبشها بحط فستق عبيد بدل الجوز لأن أوفر».

لم يفاجئني الحديث عن ارتفاع الأسعار وجنونها، ولكني توقفت عند مقولة أخرى وردت بحديثه وهي مفردة «الاحتيال»، مستفسراً منه عن مدلولها.

أبو محمد: «خيو القصة بالنكهة والطعمة، المهم يكون في فليفلة وتوم، وشوية زيت مخلوط بيمشي الحال، الولاد شو بيفهمهم أنو هاد جوز ولا فستق، أو حتى بدونهم بالمرّة، اللي بيعرفوه أنو الطعمة مكدوس، وبلاها الفائدة تبع الجوز ع الصحة دخيلك».

اعترضته ضاحكاً بالقول: «معقول الولاد ما بيفهمو طعمة تمهم!؟».

من القهقهة إلى المأساة

أجابني أبو محمد ممتعضاً: «خيو أنا عم احتال ع ولادي من القلة، ونحنا فهمانين ع بعض وماشي حالنا!».

ثم أردف غاضباً: «خيو فيك تفهمني أنت كيف الحكومة بتعطيني كم ليرة بآخر الشهر وبتسميهن راتب؟ هاد مو احتيال؟.. الفرق أنو أنا وولادي عيلة وحدة ع الحلوة المرة، بس الحكومة بتحسسك أنك لقيط، الحلوة ألها ولـ يلي حوليها، والمرة ألنا وبس، صح ولا لأ؟!».

لم يعد للقهقهة والكلام من معنى بعد إسهاب صديقي أبو محمد وتوضيحه المختصر، إثر تداعيات موضوع المونة والتمون و»المكدوس حشو ربو»، وحالة الغليان والغضب التي بدت واضحة على معالم وجهه.

لقطاء السياسات الملعونة

استفاق الحنق والقهر بيني وبين نفسي أيضاً، على مفردة «لقيط» على لسان صديقي، وعلى معالم الغضب التي بدت واضحة على تقاسيم وجهه، وأنا أقارن بين إبداعه في احتياله على أبنائه مضطراً، وبين الاحتيال الحكومي علينا بمعيشتنا ومعاشنا وهمومنا ومآسينا اليومية، والادعاءات والوعود الكاذبة التي تنهال علينا من كل حدب وصوب.

فحال صديقي أبو محمد كحالنا جميعاً، نحن معشر الفقراء ومحدودي الدخل والمعوزين، ومعنا كل الحق في تفسيرنا ورؤيتنا لما يجري لنا ومعنا وبحالنا، فنحن فعلاً لسنا أكثر من لقطاء بنظر الحكومة، وعبر سياساتها الاحتيالية الملعونة، لمصلحة كبار التجار والمستوردين والسماسرة والفاسدين.

«يا ضربتي من غير كيسي»!

عدت لصديقي أبو محمد ممازحاً، من أجل إعادة ترطيب الأجواء وتعديل مزاجه ومزاجي الذي أصبح عكراً على سيرة الحكومة وسياساتها، وقلت له: «عطيني سكبة مكدوس حشو ربو من عندك، للدواق، بدي عمم الاحتيال ع ولادي بالبيت كمان، ما حدا أحسن من حدا!». 

فأجابني «أبو محمد» من دون مواربة وبكل فجاجة: «حبيبي روح احتال من كيسك، ولا أنت كمان صرت متل الحكومة، ياضربتي من غير كيسي!».

غاب قليلاً من الوقت ثم أتى وقد أحضر لي علبة بلاستيكية صغير فيها مكدوسة واحدة فقط وبدون زيت، قائلاً: «خود دوق أنت وولادك، عم اقطع من تم ولادي لطعميك!».

تبادلنا الضحك والقهقهات.. وشر البلية ما يضحك!.