فلاحو دير الزور ومأساة الشوندر المستمرة..!
يقول المثل الشعبي (التكرار يُعلم الحمار)، لكن الحكومات المتعاقبة وخاصةً خلال السنوات الأخيرة، والتي من المفترض أنها تتعلم من أخطائها، أثبتت أن الأخطاء التي ترتكبها غالباً ليست عشوائية لأنها تتكرر باستمرار وبصورة تزداد مأساوية عاماً بعد عام، إذا لم نقل يوماً بعد يوم.. وما يحدث في السياسات الزراعية خير مثال..
فمن جريمة رفع سعر المازوت إلى الرفع المستمر لأسعار السماد والبذار وكافة مستلزمات الإنتاج الزراعي، إلى السماح باستيراد الفاسد منها وبأسعار عالية، سرق خلالها التجار والمتنفذون جهد الفلاح وأمواله، ناهيك عن سرقتهم للدولة والمجتمع ككل، وصولاً إلى تهديد الشعب بحرمانه من أمنه الغذائي، ومع ذلك لا يُحاسب الفاسدون واللصوص وحماتهم بينما يلاحق ويُعتقل من هبّ يتظاهر مطالباً بحقوقه، فيعتقل ويعذب وتهان كرامته، ويُحرم حتى من عمله، فيعود المهرب وتاجر المخدرات إلى عمله ويُنهى كفّ يده، أما من تظاهر فلا يزال خاضعاَ للابتزاز، بل أنه صدرت قرارات وتعاميم تهدد كلّ من سيخرج متظاهراَ بأنه لن يُسمح له بالعمل..
ولعل المأساة القديمة الجديدة هي مأساة الفلاحين والعمال عموماً، وفي دير الزور خصوصاَ، هذه المأساة التي تتجلى منذ تم وضع الخطط الوهمية مروراً بسوء تنفيذها وتقديرها، ووصولاَ إلى زراعة الشوندر وبطاقات قلعه، ومعاناة استلامه حتى قبض أثمانه الضئيلة..
وفي هذا العام ترافقت مأساة الفلاحين أيضاَ مع الظروف الجوية القاسية، وما يشهده الوطن من أزمة عميقة لا يزال يجري التعامل معها إما بالأسلوب الأمني القمعي أو بالحلول الجزئية والترقيعية، ما يُزيد في تفاقم الأزمة وتعميقها بسبب قوى الهيمنة والفساد التي لا تريد إصلاحاَ فكيف بتغيير جذري وشامل..؟
ولنبدأ من تقديرات خطة زراعة الشوندر، حيث قُدر إنتاج هذا العام بحدود 140 ألف طن، ثُمّ رُفعت إلى 150 ألف، ولكن لغاية الآن وصل التوريد إلى أكثر من 166 ألف طن ومن المتوقع أن يرتفع إلى 180 ألفاً، وربما يصل إلى 200 ألف، وهذا مما ولد للفلاحين مشاكل كبيرة سواء في الحصول على بطاقة القلع في الوقت المناسب، وصولاَ إلى تسليمه، وأي تأخير فيهما سينتج عنه تدمير الإنتاج وخسارة الفلاح ليس لجهده فقط وإنما خسارته المادية دون أن يُعوض، ولو على الأقل بجزء منها، فهذا التأخير سيؤدي إلى تخبيز الشوندر في أرضه قبل قلعه بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وإذا قلعه الفلاح سيتعرض للجفاف وانخفاض نسبة الحلاوة وارتفاع نسية الأجرام من الشوائب وغيرها.
لقد دفع ذلك بعض الفلاحين لإلقاء حمولاتهم من الشوندر أمام المصلحة أو أمام المعمل احتجاجاً، وحتى لا يتحملوا مزيداَ من الخسائر نتيجة تأخر الحصول على بطاقة القلع أو التسليم، وهذا لا ينعكس على الفلاح فقط وإنما ينعكس أيضاَ على عمل معمل السكر وإنتاجه وارتفاع نسبة التكاليف.. وهذا هو الوضع منذ إقلاع المعمل بطاقته القصوى التي وصلت إلى 3800 طن يومياً، وكانت مخصصة في البداية لإنتاج المحافظة من الشوندر، جرى تخفيضها إلى 2000 طن ثمّ إلى 1400 طن للسماح باستلام الشوندر من المحافظات الأخرى التي ستسبب أجور نقله ارتفاع قيمة التكاليف.. علماَ أن الظروف الجوية على الأقل تعطي للمحافظة الأفضلية..
وإذا تذكرنا أيضاَ خسارة الدولة أكثر من 400 مليون ليرة بسبب تجربة الديفيزيون الفاشلة في السنة الماضية وما قبلها، بسبب الفساد والعقود مع شركات أجنبية غير كفوءة، وبسبب العمولات التي يقبضها الفاسدون لتوقيعها، يتبين لنا فداحة الجرائم المرتكبة ليس بحقّ الفلاحين والعمال والمعمل فحسب، وإنما بحق الاقتصاد ككل وبحق الشعب والوطن.. فمن المسؤول عمّا ما يجري ويتكرر باستمرار دون محاسبة وقطع أياد؟.
من هنا نؤكد أنّ الأمور باتت تحتاج إلى تغيير شامل وجذري.. تحتاج إلى نظام جديد يُعيد للشعب حقوقه، حقوق عماله وفلاحيه وسائر مواطنيه.. يعيد له الكرامة التي هي فوق كلّ اعتبار.
مراسل قاسيون - دير الزور