التلوث في دمشق.. أرقام مرعبة!

ليس من قبيل المصادفة أننا – نحن سكان دمشق- لم يعد بإمكاننا التنفس ملء رئتينا، وليس سوء حظ أنه لم يعد بإمكاننا مشاهدة اللون الأزرق في سماء عاصمتنا الأقدم في عمر الحضارة الإنسانية، وليس ضعفاً في البصر ذاك الذي يجعلنا لا نرى الأخضر الزاهي في طرقاتنا وتلالنا وقمم جبالنا، وليس ضعفاً في المناعة أصاب الملايين فجعلهم دائمي الاعتلال والمرض وذوي عاهات مستديمة وأعمارٍ قصيرة، فالمسألة ليست شخصية ولا اعتباطية، إنها ببساطة بعض نتائج أولية ليس إلا للتلوث الكبير الذي ينوء بكلكله على عاصمتنا المسكينة .

إن نظرة سريعة على بعض أرقام التلوث في دمشق تظهر لنا ما يلي:

- فيما يتعلق بالغبار والعوالق الكلسية، نرى أن المعايير المسموح بها من منظمة الصحة العالمية 90 ميكرو غراماً/م3، بينما في دمشق يرتفع الرقم إلى /418/ ميكرو غراماً/م3، وفي بكين /377/ ومكسيكو/279/ وأثينا /178/..
- أما بالنسبة لثاني أوكسيد الآزوت فالمعايير المسموح بها /40/ ميكرو غراماً/م3 بينما في دمشق يصل إلى /122/ ميكرو غراماً/م3، ووحدها بكين تساوينا في ذلك، بينما في أثينا على سبيل المثال /64/ وبومباي /39/..
- تركيز الغبار تجاوز بدوره الحد اليومي المسموح به، وارتفع بمقدار الضعف عما كان عليه عام 2001  إذ ازداد عام 2005 بشدة ووصل أعلى متوسط تركيز يومي إلى /478/ ميكروغراماً/ م3.

لا شك أن هناك عوامل مختلفة أدت إلى تدهور بيئي خطير في كافة أرجاء المعمورة، بعضها يرتبط بمشاكل عامة أصابت الأرض برمتها بسبب التناقض الهائل بين الجشع الرأسمالي والطبيعة والذي نتج عنه مشكلات كبرى كالانحباس الحراري وظاهرة الدفيئة وثقب الأوزون وغيرها، وبعضها يرتبط بقضايا كونية لا مجال لذكرها الآن، ولكن في بلدنا، وفي العاصمة تحديداً التي كانت حتى الأمس القريب من ألطف وأنظف المدن، حدث خلل كبير في التوازن الطبيعي بسبب السياسات الحكومية التي ما تزال متبعة منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا، ومنها إعدام الغوطة التاريخية، وإنشاء المصانع في غير مكانها المناسب، وزيادة العمران داخل المدينة وعلى أطرافها على حساب الأشجار والمياه السطحية والجوفية، وانتشار المقالع حول المدينة من جميع الجهات، وعدم قدرة العاصمة على استيعاب عدد كبير من السيارات والآليات والملوثات الصناعية كما بات أمراً واقعاً اليوم.
كل هذا حدث ودمشق بالأصل قريبة جداً من البادية التي تقبع على تخومها الشرقية، والتي راحت تزحف بسرعة كبيرة إليها بعد زوال غوطتها مهددة بقاءها وحياة سكانها وحضارتها، وهذا ما يتطلب إعلان نفير بيئي عام والمبادرة إلى استدراك ما يمكن استدراكه بالسرعة القصوى.. وإلا فنحن نمضي إلى التهلكة!!