الإعلامية والباحثة رولا عبد الله الأحمد لـ «قاسيون»: من حق الشعوب معرفة خفايا منظمة التجارة العالمية!!
تقدمت سورية مؤخراً بطلب رسمي للالتحاق بمنظمة التجارة العالمية، وهذه الخطوة التي يؤكد الفريق الاقتصادي ومن خلفه الحكومة، أنها «اضطرارية» و«متأخرة» ستخلق أمام سورية تحديات خطيرة على المستويات كافة. فما هي خطورة هذه الخطوة؟ وما هي المراهنات التي يعقد الفريق الاقتصادي آماله عليها؟ وما تبعات ذلك على بلدنا اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً؟ للإجابة على كل هذه الأسئلة التقت قاسيون الإعلامية والباحثة في شؤون المنظمات الدولية السيدة رولا عبد الله الأحمد وأجرت معها هذا الحوار:
ماهي منظمة التجارة؟
ـ قاسيون: يقال إن منظمة التجارة العالمية هي الحاكم الفعلي للعالم.. ما مدى مصداقية هذه المقولة؟ وما هي الأهداف الحقيقية لهذه المنظمة؟ من يديرها؟ وما هي آليات عملها؟ وما أهمية أن يطّلع المواطن في بلدان العالم الثالث عموماً وفي سورية خصوصاً على كل ما يتعلق بها، وهي التي ستصبح قريباً المؤثر الأول في معيشته؟
ـ بداية يجب التحدث عن مسألة هامة لها علاقة بالمعرفة وأنماطها، فثورة الاتصالات التي تحكمها بالأساس الشركات الاحتكارية تغيّب الكثير من الحقائق وتروج وتسوّق ما تشاء من القضايا التي تخدم أغراضها، وحين قال «ماكلوهن»: (إن العالم أصبح قرية واحدة)، كان يضمر أن هذه القرية هدفها صب المعلومة باتجاه واحد من الشمال نحو الجنوب ، رغبة بأن يسطو هذا الشمال الثري على ذهنية الجنوب الفقير، تمهيداً لجعل الجنوب سوق استهلاك كبير لمنتجات أهل الشمال، ومن أوائل المفاهيم التي تم الترويج لها في هذا الإطار هو جعل الإعلام الاقتصادي إعلاماً للنخبة وأصحاب القرار وتعقيد فهم مصطلحاته، حتى ولّد لدى الناس فكرة أن لا يهتموا بالقضايا الاقتصادية، وأن يتركوها للنخبة ليتفردوا بصنع القرار.
والحقيقة أن هناك تداخلاً كبيراً بين جميع القضايا، فلا وجود لشيء اسمه سياسة بمعزل عن الاقتصاد، السائد دائماً هو الاقتصاد السياسي، ومن بديهيات الأمور أن الأسباب العميقة لكل الحروب والنزاعات في هي الأصل اقتصادية.
وفي موضوع منظمة التجارة العالمية، أنا أعرّفها أنها منظمة اقتصادية تتحكم بسياسة العالم، إذاً هذه المنظمة صيغة احتلال جديدة إنما مختلفة من حيث الشكل.. مفهوم منظمة التجارة العالمية أتى من الاقتصاد الحر (تحرير التجارة، جعل الأسواق مفتوحة دون رسوم جمركية)، وإذا أردنا أن نبسطها وفقاً لنظرية الأواني المستطرقة، هي الفكرة التنافسية، فقط القيمة التنافسية، شركات تمتلك منتجاً بمواصفات قياسية وتريد أن تدخل إلى أي سوق من الأسواق العالمية دون (بسبورت) عبور، دون اعتبار لخصوصية هذا البلد أو ذاك، في ظل حالة من الفوضى تفتقد إلى الضوابط الأخلاقية والثقافية والاجتماعية.
منظمة التجارة منظمة تضم 133 دولة، ويحكمها ثلاثة أقطاب (معسكر الولايات المتحدة ـ معسكر الاتحاد الأوربي ـ معسكر اليابان) ودون موافقة هذه الأقطاب الثلاثة الرئيسية لا يمكن إصدار أي قرار أو أي قانون.. إن هذه المنظمة باختصار مسؤولة عن حركة الاقتصاد في العالم وفقا لمصالح الشركات المتعددة الجنسيات، التي تتبع لها منظمة التجارة نفسها، وهي من أكثر المنظمات ديكتاتورية في قراراتها على المستوى العالمي، هذا ليس كلامي إنه تقييم من أتيح له أن يحضر اجتماعات هذه المنظمة.. وهذا الكلام هو من جملة انتقادات وجهتها حتى الدول الكبيرة للمنظمة في مؤتمر سياتل الذي انعقد عام 1999 والذي لاقى فشلاً ذريعاً. لقد وجّهت انتقادات لمنظمة التجارة كونها تملي قراراتها على حكومات الدول حتى الكبيرة منها مثل (الولايات المتحدة ـ اليابان وغيرها) وبسبب تضارب مصالح الدول مع المنظمة، فشل المؤتمر.. إذاً الموضوع عبارة عن صراع العمالقة الاقتصاديين.
فمنظمة التجارة لا تستطيع الدول القوية اقتصادياً مواجهتها رغم الاعتراضات الكثيرة وقوة اقتصادها، وبالتالي لكم أن تتخيلوا حجم الاستشراس علينا كدول فقيرة.. الدول النامية تشكل ثلثي الأعضاء في المنظمة ورغم ذلك لا يحق لها التصويت حسب قانون المنظمة رقم (9) إذا كان القرار مصيرياً، (مقاطعة ـ عقوبات اقتصادية.. وغيرها).
أما موضوع توافق الآراء داخل المنظمة المصدّر للإعلام فهو عبارة عن كذبة كبيرة.
ـ قاسيون: بهذا المعنى هل منظمة التجارة العالمية هي شكل عصري مخفف للصراعات على الأسواق التي كانت سائدة أواخر القرن التاسع والنصف الأول من القرن العشرين، والذي كان من نتائجه الحربين العالميتين والنزاعات العسكرية؟
ـ رولا: بالضبط، لكنه ليس شكلاً مخففاً أبداً، بل لنقل إنه مكثّف، هم حاولوا أن يصوروا الموضوع على أنه (مخفف) وحاولوا أن يفهموه لنا على هذا النحو، وصوروا لنا ولادة منظمة التجارة على (أنه مشروع خُلِقَ لتوزيع الثروة بشكل عادل بين الدول الغنية والدول النامية).
هذا الكلام غير صحيح.. والدليل على ذلك أن منتقدي هذه المنظمة التي تمثل مصالح الشركات العملاقة في الدول الكبرى أكدوا في غير مناسبة أن المنظمة تريد جعل البلاد النامية أسواقاً لمنتجات الشركات أي احتلال اقتصادي – سياسي بشكل متطور.
وهكذا الكلام ليس فقط لمناهضي المنظمة، وإنما أيضاً هو رأي الكثير من المؤتمرين في منظمة التجارة، الذين خرجوا بعد مؤتمر سياتل ليقولوا للصحفيين إن هذه المنظمة باتت أداة في أيدي الشركات المتعددة الجنسيات، ومن ضمن أولئك الولايات المتحدة الأمريكية نفسها عندمالم ترق لها أجندة المؤتمر، وفشل المؤتمر فشلاً ذريعاً!!.
قطار العولمة
ـ قاسيون: في بلدان العالم الثالث، وحتى في سورية، هناك رأي يقول إن قطار العولمة يسير، وإذا لم نلحق بهذا القطار، سنتخلف عنه، بهذا المنطق الاستعجالي كيف يمكن معالجة موضوع الانضمام إلى المنظمة؟
ـ هم قالوا وأصروا أنهم سيركبون القطار وهذا من ضمن معانيه أنهم رأوا الجوانب الإيجابية ولكنهم لم يروا ولم يذكروا الجوانب السلبية.
إذا كنا سنركب هذا القطار فالسؤال لماذا سنركب هذا القطار؟ هذا قطار عولمة، الناس لديها حساسية من هذه الكلمة (العولمة).
ـ قاسيون: مفهوم العولمة في الغرب له تأثير سلبي في الوعي الاجتماعي، أما لدى بلدان العالم الثالث فلا يوجد أي رد فعل سلبي تجاه هذا المفهوم، والسبب هو التسويق الإعلامي الذي يلعب دوراً بارزاً في تمرير هذا المفهوم بالوعي الاجتماعي.
ـ صحيح، الدول الكبيرة تشرك شعوبها بالقرار لأنها ملزمة بهذا وفقاً لدساتيرها ، أما هنا فالقضية مختلفة، والشعوب ما تزال مغيبة كلياً عن المشاركة في اتخاذ القرار. ويمكنك أن تلاحظ أن أكثر الشعوب مناهضة للعولمة اليوم هي شعوب البلدان الرأسمالية الكبرى، لأنهم على تماس مباشر مع خطورة هذه المسألة، فمنظمة التجارة حاصصت المزارع بخبزه، مثلما حاصصت صاحب البنك، وبما أن هذه الشعوب عاشت تجارب، فالقراءة الاقتصادية أصبحت فيها أهم وأسبق من القراءة السياسية وليس كما يحدث في دول أخرى..
قانون الإغراء
ـ قاسيون: السياسة هي تعبير مكثّف عن الاقتصاد.. هناك حركة شعبية ثورية في البلدان الرأسمالية لديها تجربة ومستوى معين من المعرفة تمكنها من أن ترى الظاهرة بعكس بلدان العالم الثالث.
- نعم، ويهمني هنا تبسيط المفاهيم. وما يهمني الآن في سورية هو أن صاحب صناعة وليدة ما مكتوب عليها «صنع في سورية» وهو فخور بها، سيتهدد بالإفلاس والانسحاق مع السير بركب المنظمة..
بموجب قانون منظمة التجارة الذي هو (قانون الإغراء) ستخترق الحدود وتجري منافسة غير متكافئة.. مثلاً في سورية صناعة براد تكلف10000ل.س فإذا دخل البراد الأمريكي البلد بسعر 1000 ل.س، فما الذي سيحدث؟ في هذه الحالة سيجري المواطن مفاضلة بينهما وسيختار الأرخص والأفضل، وبالتالي سيكون المنتجون على اختلاف مستوياتهم ورساميلهم أول من سيدفع الثمن.
ـ أنا هنا أرجو أن تفهم القاعدة الشعبية ذلك لأنها هي المتضررة الوحيدة من هذه العملية وهذا من البديهيات، ولكن للأسف شعوبنا ليس لديها رغبة أن تقرأ أو أن تعرف. لنأخذ مثالاً آخر.. الصين لماذالم تبتلعها منظمة التجارة، بل هي التي ابتلعت المنظمة؟ هذا ما يجب أن نفكر ونقتدي به..
لبنان.. كازينو!
ـ قاسيون: وعربياً؟ أليس هناك تجارب على هذا الصعيد؟
- سأنطلق من التجربة اللبنانية، لأنني مطلّعة عليها، وهي أكبر دليل على أنه لا توجد أية مكاسب من الالتحاق بركب المنظمة، ومؤتمرات باريس1، باريس2، باريس3 هي احتلال للبنان، فقد قدم مندوب منظمة التجارة العالمية معونات دولية إلى لبنان وتحديداً إلى حكومة السنيورة من أجل الانضمام إلى منظمة التجارة، مقابل خصخصة شاملة ومن بينها خصخصة وزارة الثقافة اللبنانية! هل يمكن اعتبار ذلك شيئاً إيجابياً؟ الوضع مأساوي في لبنان، وساهم في ذلك الانشقاق الحاصل هناك.. فما هي المكاسب التي حققها لبنان بدخوله إلى منظمة التجارة العالمية، هل الديون والمنح هي مكاسب؟؟ الشركات العابرة للقارات لا تمنح أي شيء دون مقابل، فبلد فقير مثل لبنان ماذا يمكن أن يقدم غير قطاع الخدمات، وقد بيع هذا القطاع بأكمله تقريباً، الوسط التجاري الذي يتوسط قلب بيروت هو عبارة عن عقار مسجل باسم الحريري، والحريري رهن بيروت عند صندوق النقد الدولي في مؤتمرات باريس المتعددة..
لقد تراكمت الديون على لبنان.. في باريس (1): 13 مليار دولار، وفي باريس2: 24 مليار وفي باريس3: 57 مليار، وبالتالي هذه الديون تنتج بشكل سافر نظام وصاية جديد على لبنان بأكمله، هذه هي تجربة لبنان، وبالتالي كان الهدف الأساسي وما يزال يتمثل بالسيطرة على هذا البلد باعتباره منفذاً إقليمياً أساسياً في المنطقة، وبالتالي دفعه للارتماء في أحضان «إسرائيل»...
انهيار وشيك
ـ قاسيون: وبالنسبة لسورية؟
- الانضمام إلى منظمة التجارة، لم يحن وقته إلى الآن.. وأنا برأيي أنه قبل أن ننضم إلى منظمة التجارة، ستنهار هذه المنظمة!! هناك مؤشرات حقيقية في هذا الاتجاه، وأنا اطلعت على مقالات تقول بأن منظمة التجارة ستنهار قريباً، بحيث تحل محلها الأقطاب الثلاثة التي تحدثنا عنها بالإضافة إلى الشركات العابرة للقارات.
ـ قاسيون: في اجتماع جوهانسبرغ استطاعت بلدان العالم الثالث الضغط على البلدان الثرية، وهذا يعني أن بلدان الأطراف التي لم يكن يؤخذ رأيها بعين الاعتبار، تتطور وتشكل أقطاباً جديدة وهذا يمكن أن يعيد النظر بالتوازنات على المستوى العالمي.
ـ في البداية قلت: إذا لم يكن الموضوع محورياً أو أساسياً ومصيرياً، فيمكن للدول الصغيرة المشاركة والتأثير، أما عدا ذلك فلا، فالشركات الكبيرة ليست لديها مشكلة مع تكوّن هذه الأقطاب الصغيرة، على العكس من ذلك فإنها ستقول لشعوب وحكام العالم الثالث: انظروا لقد حققتم مكاسب، حتى يبهروا الدول والأسواق الصغيرة بذلك ويدفعوها للدخول في المنظمة.. هذا فخ!!.
ـ قاسيون: من المعروف، وكما ذكرت سابقاً، أن منظمة التجارة العالمية هي سلطة عالمية تهيمن عليها الشركات الاحتكارية العابرة للقارات وبالتالي فهي قادرة على السيطرة على القرار السياسي حتى في البلدان الرأسمالية الكبرى..
ـ هذا صحيح كلياً، فهذه الشركات هي صانعة القرار في الدول الرأسمالية، وفي الحقيقة أنا أعول على سقوط الولايات المتحدة من هذا المنطلق، من منطلق أنهم وقعوا في الفخ الذي نصبوه. بالإضافة إلى أنهم لا يمتلكون بنية معرفية تسمح لهم بالاستمرار أكثر.
ـ قاسيون: يتذرع الداعون المحليون للانضمام إلى المنظمة بأنها ستنشط الاقتصاد السوري عبر الاستثمارات التي ستجلبها معها والتي ستكون ذات جدوى اقتصادية كبيرة وستساهم في تشغيل اليد العاملة وتفتح المجال أمام الاستثمارات الزراعية والصناعية وبالتالي تعمل على خلق نوع من الحيوية الاقتصادية.
ـ رولا: كل ذلك ممكن، ولكن لن يستمر إلا لفترة وجيزة، ولكن كم مصنعاً محلياً سوف يغلق في المقابل؟؟ فبالمحصلة هذه الشركات تعتبر بلدنا سوقاً استهلاكية ومصدراً للخامات ليس أكثر ولا أقل.. ولن تلبث هذه الشركات العملاقة التي تعتبر حيتاناً حقيقية أن تبتلع كل شيء. وعلى العمالة المغرر بها والمسحوبة من معاملها الأصلية أن تقبل بأجر زهيد جداً حين تحتكر العمل.. فلن يكون لديها أي خيار..
ـ قاسيون: هذه إحدى معالم العولمة؟
ـ لا شك أن ثورة الاتصالات كان المقصود منها إظهار أشياء وإخفاء أشياء أخرى.. وفي سورية وبسبب الضبابية الموجودة، هناك نقاش جدي بين فريقين، فريق يشخص أن منظمة التجارة كإحدى حراب العولمة ستبتلع جميع الهويات الوطنية، لذلك عندما نقاوم الدخول إليها فنحن نقاوم الهيمنة على هويتنا الوطنية... وفريق يرى العكس وهم الأقوى والأكثر نفوذاً وهذه النقطة هي محطة ونقطة صراع شديد الطرف الأضعف فيه هم أولئك الذين يقاومون هذا القطار.
دكتاتورية رأس المال
ـ قاسيون: هل من الممكن تحسين أوضاع هؤلاء المقاومين؟
ـ لا نستطيع أن نفعل هذا، ولا حتى حكومات الدول الكبرى التي أصبحت تنتقد منظمة التجارة وتعتبرها ديكتاتورية بإملاء الشروط تستطيع ذلك. وإذا أردنا أن نبحث عن حلول بغض النظر أكنا مع المؤيدين أو مع المعارضين حول الانضمام فلننظر إلى التجربة الصينية في هذا الإطار، ومن تجربة والدي الباحث عبد الله الأحمد، خلال نظريته التي طرحها عام 1999، بعد مؤتمر سياتل في USA.. وقد عرض حينها التجربة الصينية كحل ووحيد للانضمام لمنظمة التجارة، الآن يمكن الدخول للمنظمة تحت جناح العملاق الصيني الداخل بقوة في مواجهة الدول الكبرى، فالصين والتي تحوي أكثر من مليار و400 مليون نسمة تدخل الآن الأسواق الأفريقية والآسيوية والعالمية عموماً بهدوء وتغزوها ببضاعتها، من خلال اعتمادها على النظام الاشتراكي، وقد حولت مناطق التجارة الحرة في أراضيها إلى كانتونات اقتصادية صغيرة حرة، تطبق داخل هذا الكانتون كل قوانين منظمة التجارة ضمن إطار تحسين الشروط.
ولكن دون أن يخرج العامل في هذه الكانتونات إلا إلى النظام الاشتراكي.
وإذا أردنا السير في ركب المؤيدين للدخول والانضمام فعلينا الاقتداء بالنموذج الصيني، فالشعوب الواعية باستطاعتها تجنب الآثار السلبية, أما أن تدخل بشكل فجائي،ودون وعي كامل للخطوة فهذا أمر خطير جداً على سلامة أي بلد.
مصر.. الجوع!
ـ قاسيون: ما تقييمك لتجربة مصر على سبيل المثال.
ـ الحقيقة أنه لم يتكلم أي من الاقتصاديين في مؤتمر جنيف عن التجربة المصرية. ومع ذلك أؤكد لكم أنه في مصر تم خصخصة القطاعات الكبرى، كما تمّ إلغاء الدعم عن السلع البسيطة وهذا بدوره أدى إلى تكوّن طبقة واسعة جداً تحت خط الفقر.
وكما هو معروف فإن (إلغاء الدعم عن المواد الأساسية) يشكل أحد القوانين الأساسية لمنظمة التجارة العالمية في قطاعي (الصناعة والزراعة)، وفي مصر ليس هناك أي وجود لقطاع الصناعة الزراعية وإنما هناك فقط الزراعة، وما يتم يجري في ظل تعتيم إعلامي كبير..
هذا الوضع المزري الجاري في مصر ينعكس سلباً على الشعب المصري مما يؤدي إلى تشكل حركات التطرف والانضمام الواسع إليها والذي بدوره يفرز حالة متطرفة ناقمة على كل شيء، أما الذين كانوا من أشد المؤيدين للانضمام للمنظمة، فلم يعد لديهم أية إجابة على الأسئلة والمعطيات الناشئة بعد الانضمام.. هؤلاء ليس لديهم ولا إجابة واحدة عن الديون والفوائد المترتبة على مصر جراء هذا الانضمام، ولا على معدلات البطالة والأمية، ولا على الأضرار الكبيرة التي طالت في مصر قطاع الصحة بشكل مخيف.
ففي مصر اليوم 3 ملايين طفل مشرد، و(6) ملايين فتاة عانس، وربما ما يحدث في لبنان الآن هو مقدمة للوصول إلى النتائج (المصرية) فإحدى أبرز مهام المنظمة في لبنان تحويله إلى كازينو!!
ـ قاسيون: ما هي البدائل الوطنية لدى هذه الدول (بما فيها سورية)، إذا افترضنا أن الانضمام إلى هذه المنظمة، هو خطأ سياسي اقتصادي اجتماعي كبير؟
ـ أعتقد أن الحل هو في التماهي مع التجربة الصينية ـ الخيار الوحيد هو الخروج من تحت جنح الدول الرأسمالية الكبرى. أما بالنسبة لسورية، فأنا أعتقد أن شروط انضمامها إلى المنظمة فيها الكثير من (الإجحاف)؟
حلول وآفاق
قاسيون: أنتِ تتعاملين مع الموضوع وكأن لا مهرب من الانضمام إلى المنظمة.
ـ لقد قدمت سورية طلب الانضمام في تشرين الثاني لعام 2005 وانتهى الأمر، لا يمكننا التراجع كما أعتقد.
ـ قاسيون: ألا يوجد خيار آخر أمام هذه الشعوب؟
ـ على العكس.. هناك خيارات كثيرة، وأهمها من وجهة نظري الاهتمام بتجربة أمريكا اللاتينية الجديدة في ممانعتها لسياسات النظام المعولم، وتجربة إيران، هناك معسكر حقيقي يتكون الآن..
ـ قاسيون: أليس هذا من الخيارات الصعبة والضيقة الأفق؟
ـ على العكس الخيارات مفتوحة، سواءً كان النموذج الإيراني، أو نموذج أمريكا اللاتينية أو النموذج الماليزي.. وهذا النموذج الآسيوي بالذات يشلّ أمريكا بالمعنى الاقتصادي.. أي أنها تنافسها اقتصادياً بشكل فعال في السوق.
وهنا أريد أن أختم الموضوع: إذا كان هناك إجماع بالانضمام إلى المنظمة (منظمة التجارة العالمية) فأنا أعتقد أن هذا الانضمام (مبكر) لأن في سورية صناعات وليدة، وإلى أن ينمو هذا الوليد ويقف على قدميه ويدرك المعنى الاقتصادي.. عندها يمكن أن نناقش موضوع الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. فإذا دخلت صناعة عملاقة إلى البلد فإنها ستقضي على صناعتنا الوليدة في مهدها..
■ قاسيون