أرسطو.. والكفاية
يعرّف أرسطو في كتابه (الأخلاق) الكفاية فيقول: الكفاية في الشيء الذي إذا انفرد به الإنسان جعل سيرته مؤثرة، أي تصبح حديث الناس، وهي غير محتاجة إلى شيء، ولكنه عاد فقال: الكفاية هي السعادة، مشترطاً أن تكون قد تحققت بالأفعال التي توجبها الفضيلة التي هي الغاية في الشرف والكمال التي يقف عندها الإنسان الفاضل.
لا شك في أن أي مجتمع لا يخلو من أفراد، قلوا أو كثروا، حققوا كفايتهم بموجب ما تأمر به الفضيلة، كما لا يخلو من أفراد، قلوا أو كثروا، حققوا كفايتهم بعيداً عن الفضيلة، وهؤلاء هم الذين أعنيهم هنا، فنحن كما نقرأ ونسمع ونشاهد، نرى أعداداً منهم حققوا كفايتهم لهم ولأحفادهم لمائة عام قادمة، وعندما يراجع المراجع خلفية هؤلاء فإنه لا يجد وراءهم إرثاً ولا فيهم كفاءة ولا عندهم تجارة حاضرة بين أيديهم يديرونها، أي أنهم خالفوا شروط الكفاية الفاضلة، في الوقت الذي يمتلئ به وطننا بأعداد تشكل شريحته العظمى تفتقر إلى الملبس والمسكن والمطعم، فمنهم من لا يملك كفاية يومه، ومنهم من لا يملك كفاية أسبوعه، أما الذي يملك كفاية شهره فهو من المغبوطين في هذه الشريحة. هذه الأعداد لم تفكر بأحفادها ولا بأبناء أحفادها تاركين ذلك للقدر، وكل همّها أن تقوم بسداد الحاجات الأسرية الآنية.
ويقول أرسطو أيضاً: إن الفضيلة تقع وسطاً بين طرفين متضادين معها، فالكرم فضيلة تتوسط البخل والإسراف، والشجاعة فضيلة تتوسط الجبن والتهور، كذلك العدل فهو توسط بين الجور الذي ارتكبه مرتكب والجور الذي تحمّله من وقع عليه الجور... إذاً العدل فضيلة.. ولما كانت الدولة تجسيداً للعدل، كان عليها أن تحتل هذا التوسط بين مرتكبي الجور والواقع عليهم الجور، حتى تتحقق الفضيلة بمعناها الشامل المطلق، وتصبح الدولة نفسها هي هذه الفضيلة المطلقة، وعندئذ ستزول التناقضات التي ضمها الجور وتلتم أطراف الأمة حتى تصبح جسداً واحداً مشدوداً كالبنيان المرصوص، أنا لا أحلم...
إني مؤمن بأن هذا ممكن إن صحّت النية وصحبتها الإرادة ونسيت المصالح الذاتية التي ليست بشيء أمام النتائج العظيمة المترتبة على ذلك والتي تحقق المجد والرفعة لكل الوطن، إن على الدولة أن تكون قاهرة لكل من يقف مضاداً لعدالتها حتى تكون للجميع.
■ محمد سعيد اسبر