جرمانا.. تجاوزات ومخالفات بتواطؤ الجهات المختصة..
مدينة جرمانا، ونظراً لقربها من مدينة دمشق وموقعها على طريق المطار أصبحت وجهة وغاية الكثيرين من أبناء الوطن. ونظراً لهذا الإقبال الشديد نشطت حركة البناء بصورة كبيرة ودون سيطرة أو تحكم من الجهات المعنية للحفاظ على الطابع التنظيمي للمدينة. ويمكن القول إن أكثر من 60% من مساحة المدينة الواقعة ضمن المخطط التنظيمي الموسع والمصدق أخيراً، هي عبارة عن تجمعات سكنية مخالفة تفتقر إلى الكثير من متطلبات الإنارة والتهوية والخدمات الأخرى كالحدائق والأرضية.....الخ.
وتحت تأثير هذا الضغط من الطلب المتزايد على السكن وطمع بعض تجار البناء وتواطؤ بعض القائمين على حفظ النظام، تم بناء أحياء سكنية كبيرة كانت ومازالت تشكل عبئاً كبيراً على الإدارة المحلية لتأمين المياه والكهرباء والهاتف والمواصلات والمدارس... والرعاية الصحية والنظافة...الخ.
وبعد فوات الأوان كالعادة تم التصديق على المخطط التنظيمي الجديد، ولكن للأسف معظم مناطق التوسع بالتنظيم كانت قد بنيت بشكل عشوائي ودون مخطط أو رقيب والمستفيد منها كثر.. ولعدم إمكانية إجراء فرز للعقارات وفق التنظيم الجديد نتيجة لهذه الفوضى، فقد ابتدعت السلطات المحلية بالتفاهم مع المحافظة نظاماً جديداً هو السماح بمنح التراخيص على الشيوع، والذي يعتبر حلاً أولياً للسماح بالبناء قبل الإفراز العقاري وبالتالي تمكين السيطرة مبدئيا على مواقع الشوارع والأملاك العامة والوجائب المفروضة، وذلك فقط للمساحات المتبقية دون بناء.. أما المساحات المبنية فالله وحده أعلم كيف ومتى سيتم تنظيمها...!؟.
بناء على ماتقدم، فقد صدر من السلطة التشريعية القانون رقم (1) بمرسوم أصدره السيد رئيس الجمهورية والذي يشدد على موضوع مخالفات البناء بقصد بترها كما أشرنا أعلاه، وشدد على ضرورة التقيد بضابطة البناء والتعليمات الخاصة بتنفيذ رخص البناء بالأبعاد والأشكال والمواصفات المرخص بها، ولكن للأسف.. وبجولة بسيطة في مدينة جرمانا ومناطق التوسع العمراني نلاحظ عدم تقيد الجهات صاحبة العلاقة بهذه التعليمات جملة وتفصيلاً، فمثلاً صاحب الرخصة رقم 6/137 لعام 2006 الواقعة ضمن العقار رقم /509/ - شاغور بساتين، قد صب سقف الطابق الأخير (الطابق القرميدي) بشكل مستو، وكان من المفروض أن يكون مائلاً بشكل لا يسمح بالبناء فوقه، مما يدل على نيته بالمخالفة بمزيد من الارتفاع لاحقاً، وقد أنهى صب هذه البلاطة أو السقف في حوالي منتصف شهر تشرين الثاني، وإلى الآن لم يسأله أحد عن المخالفة،.بالإضافة إلى أنه اختصر، أو أهمل تنفيذ بعض جدران العصب الخاصة بمقاومة الزلازل في الطوابق العليا، وقد حصل على إذن صب بذلك من البلدية. وهذا المثال ليس الوحيد ويمكن القيام بجولة لملاحظة كثرة المخالفات، وبعضها يقام دون أية رخصة وتحت أنظار الجهات المسؤولة، وبالتأكيد هناك تواطؤ من بعض أصحاب الأمر الذين يوفرون للمخالفين حماية ما.. هذا بالإضافة إلى كون بعض الرخص الممنوحة غير قانونية ومشكوكاً بصحتها.
والخلاصة، فإنه من الثابت أن السلطة التشريعية تحاول ضبط الأمور من خلال إصدار القوانين الرادعة ووضع المعايير الخاصة من حيث فرض الغرامات وإزالة المخالفات وفرض العقوبات القاسية بحق الجهات المخالفة خاصة كانت أم عامة، ولكن الداء يكمن في أن بعض ضعاف النفوس من الجهات ذات الصلة تقوم باستثمار هذه القوانين الرادعة لمصلحتها عن طريق التغطية على المخالفين لقاء قبض بدلات مرتفعة نظراً لصعوبة العقوبة، ليكون الضحية في كل ذلك المصلحة والخزينة العامة من جهة، والمواطن الذي ينشد مسكناً قانونياً من جهة أخرى...
ويمكن تعميم هذه الصورة على عدة قوانين وإجراءات متعلقة بقضايا أخرى غايتها الأساسية تنظيم أمور الناس مثل: تعليمات إجراءات حفر الآبار، وقوانين ضبط عمليات بيع وشراء الأراضي في بعض المناطق، وقوانين وضوابط نظام السير، وقوانين جباية ضرائب الأرباح والدخل وغيرها وغيرها.... والتي بدورها تهدف إلى تنظيم الأمور العامة وضبط المخالفات التي قد تحصل بشأنها...
لكن الملاحظ أن جميعها تنعكس على المواطن سلباً، فرغم كل القوانين والأنظمة فإن المواطن الشريف هو من يدفع الثمن في النهاية، ويتكبد أكلافاً باهظة بغية الحصول على حقه من الخدمة العامة.
نأمل من محافظة ريف دمشق ومن فرع الهيئة العامة للرقابة ولتفتيش فيها ومن وزارة الإدارة المحلية ومن مكتب رئاسة الجمهورية إذا لزم الأمر، التوجيه بمعاقبة المخالفين والمسؤولين المقصرين بتأدية واجبهم في مدينة جرمانا، وكذلك المتلاعبين بمصالح الدولة والناس، وذلك صوناً لوحدة هذه الأمة وتقوية مواردها لتتمكن من الوقوف صامدة في وجه الهجمات الأجنبية التي تريد النيل من وحدتنا الوطنية ومن مواقفنا المبدئية..
■ المهندس ماجد نصر
قاسيون – بتصرف