جرمانا... جارة الفيحاء موعودة بفوضى موحلة مع قدوم موسم الخير

مثلها مثل كثير من بلدات ومدن ريف دمشق، كانت جرمانا جزءاً من الغوطة التي اشتهرت بكثرة خضرتها وخيراتها، حيث كانت مصدراً رئيسياً للجوز البلدي واللوز والمشمش وكثير من الفاكهة الهامة، ولكنها فقدت هذه الميزة الجميلة منذ زمن بسبب سرطان الزحف العمراني الجائر للسكن العشوائي الذي لم تحاول الحكومات المتتالية إيجاد حل جاد وجذري له. وكانت تسمية السكن المخالف الذي ألقته الحكومة على مناطق السكن العشوائي، حجة كبيرة للتقصير في تقديم الخدمات لساكني هذه المناطق، من صرف صحي وماء وكهرباء وهاتف. بحجة وجودها خارج الحدود الإدارية للبلدة أو خارج المخطط التنظيمي.

في جرمانا، جارة الفيحاء، زالت هذه الحجة عن مناطق سكنية كبيرة وواسعة، مثل منطقة كرم الصمادي وحي البعث والقَريّات واليونسية وحي النهضة، عندما شملها التوسع الإداري للبلدة، وأصبحت ضمن الحدود الإدارية الجديدة التي أقرها المخطط التنظيمي لتوسع البلدة في عام 2003، وتعديلاته في عامي 2004 و2005، إلا أن بعض هذه المناطق، ورغم الوضع التنظيمي الجديد، والميزات التي حصلت عليها وتخولها بتأمين الخدمات لها، مازالت تعاني من نقص هذه الخدمات، حيث مازالت الحفر وأكوام الأتربة تغطي الكثير من الحارات والشوارع بعد تخديمها بالصرف الصحي، مثل منطقة كرم الصمادي وحي البعث وقد كانت الشوارع التي حُفرت مزفَّتة في السابق، ولكن لم تجر لها عمليات صيانة وترميم بعد الحفر، وهي الآن تنتظر الفوضى الموحلة عند قدوم موسم الخير والمطر.

خدمات غير مدروسة

ويماثلها في هذا الكثير من شوارع وحارات حي النهضة التي يتجنبها الكثير من السائقين، ويحاولون عدم الدخول في تلك الشوارع بسبب الحفر الكثيرة والتموجات والانتفاخات الخطيرة في هيكل الطريق، والتي قد تؤدي إلى إصابة أية سيارة بعطل ما.

جرمانا، التي يسكنها ما يزيد على 400 ألف نسمة، معظمهم من الوافدين من محافظات القطر ومن القطر العراقي الشقيق، بينما تعدادها في سجلات النفوس لا يتجاوز 28000 نسمة، وهي تقدم الخدمات الإدارية بما يتناسب مع هذا العدد فقط، لذلك يُحرَم السواد الأعظم من الساكنين من الخدمات، كالكهرباء والماء والهاتف، وحتى المحروقات كمخصصات للتدفئة.

فالكهرباء، وبسبب قلة عدد المحولات المخصصة للإنارة والتخديم المنزلي، تتعرض أحياناً كثيرة للأعطال والانقطاع بسبب الأحمال الزائدة، حيث أن الحمولة محسوبة على أساس التعداد الرسمي للبلدة، مع بعض الزيادات الطفيفة، أما أن يستعملها ما يزيد على عشرة أضعاف العدد المخصص، فهنا تقع الكارثة، ويعاني المواطنون أكثر ما يعانون من انقطاع الكهرباء بسبب الأعطال الطارئة في أيام الشتاء والبرد الشديد.

أما الماء، هذه النعمة التي لا غنى للإنسان عنها في كل لحظة، فقد عمدت وحدة مياه جرمانا بسبب الضغط وكثرة الطلب إلى وضع برنامج تقنين، تحصل الأحياء بموجبه على المياه يوماً بيوم انقطاع، وبالتناوب مع الأحياء الأخرى. فإذا حدث وتعرضت الشبكة لعطل طارئ في يوم الدور، فتكون النتيجة أن ينتظر المواطنون في ذلك الحي ثلاثة أو أربعة أيام ليعود دورهم مرة أخرى، وذلك بسبب عدم وجود خطة للطوارئ لشبكة المياه.

الاشتراك بخط هاتف حلم بعيد المنال

أما الهاتف، فقصته قصة، ويشكل للمواطنين ألف غصة، فقد تم تمديد وتحديث شبكة الهاتف، وإيصال الكابلات إلى مدخل كل بناء، صغيراً كان أم كبيراً، وتم تركيب علبة للمآخذ (شكلياً فقط)، وقد عانت جرمانا خلال هذا التمديد الأمرين، أثناء أيام المطر من الوحول والسخام الذي ملأ الشوارع والمنازل والمدارس وكل شيء، ثم توقف كل شيء، والمواطنون الذي سجلوا دوراً لاشتراكهم بخط هاتف أرضي منذ أكثر من عشر سنوات، لم يحصلوا على الخط حتى اليوم، والحجة أنه لا يوجد توسيع للشبكة، ولا يوجد مقاسم الكترونية جديدة، فهل الدولة عاجزة عن استقدام المقاسم الإلكترونية؟! علماً أن المؤسسة العامة للاتصالات من أغنى المؤسسات العامة في سورية من حيث الميزانية والدخل.

استحقاق جديد لم نحصل عليه

كل هذا شكاه لنا المواطنون تساؤلاً عما مضى ولم يتحقق، وتخوفاً من القادم، فقد قامت «قاسيون» بجولة في مناطق كرم الصمادي وحي البعث والقَريّات واليونسية وحي النهضة، وسمعت شكاوى بعض المواطنين، فكانت لنا اللقاءات التي من بينها:

• المواطن همام.ع قال: «نرجو توصيل صوتنا ومطالبنا إلى المسؤولين، فها أنت ترى هنا أن منطقة كرم الصمادي كبيرة المساحة، وتشمل تسع جادات رئيسية، وحارات فرعية، وقد ضمها التنظيم ودخلت الحدود الإدارية للبلدة بموجب المخطط التنظيمي الجديد، ومع ذلك لم يتم تخديم الشوارع بطبقة إسفلتية (قميص) مع أنه يتوقف التعبيد والتزفيت من 1/12 ولغاية 1/4 ولكن الصيانة والترميم لا تتوقف، وخاصة بعد حفر الشوارع وتخديمها بخطوط الصرف الصحي، حيث مازالت الأتربة والغبار تغطي الشوارع، ومع أول زخّة مطر فإننا نغوص في الأوحال حتى الركب. ومن ناحية ثانية، فإننا مثلنا مثل غيرنا من المناطق، ولنا أقارب في حي البلدية وحي الجناين والتلاليح، ومشكلتنا متشابهة، فقد تقدمنا بطلب اشتراك بخط هاتف أرضي منذ أكثر من عشر سنوات، ولم نحصل على هذه الخدمة حتى اليوم، ولا أعرف لماذا!! نريد حلاً لهذه المشكلات فنحن مواطنون ولسنا مجرد تكملة عدد».

• المواطن علاء أ.ط قال: «مطالبنا محددة ومشكلاتنا معروفة، فهي قديمة جديدة دائماً، وفي كل سنة نطالب ولكن ليس هنالك من يجيب، فهنا في حي البعث ومثله منطقة القَريّات الملاصقة له، أصبحنا نكره فصل الخير والمطر بسبب الأوحال والمغاصات الكبيرة التي تقلق راحتنا وتجعل عيشتنا «بهدلة في بهدلة»، وخاصة الشارع الفاصل بين حي البعث ومنطقة كرم الصمادي، فوق ما يسمى نهر العقرباني، فقد تم سقف النهر وقامت على جانبي هذا الطريق أبنية نظامية لمسافة تزيد على 150 متراً، ولكن لم يتم تزفيت الطريق فوق النهر، فالبلدية تقول هذا النهر تابع للمؤسسة العامة لحوض بردى والأعوج، وهذه الأخيرة قد تكون غير موجودة حتى، أو تكون قد نسيت هذه المنطقة نهائياً».

• المواطن فايز ح قال: إن شوارع وحارات حي النهضة تملؤها الحفر والتموجات والانتفاخات الحاصلة من تداخل الزفت والتراب والوحل بعد تمديد شبكة الصرف الصحي، وحتى اليوم لم تتم صيانة الشوارع والحارات بطبقة إسفلتية (قميص)، ومع اقتراب موسم الأمطار يزداد قلق المواطنين من مستنقعات الوحل والطين التي تعم معظم الشوارع، والمشكلة الأكبر التي نعاني منها هي مشكلة انعدام التخديم في توسيع شبكة الهاتف الأرضية، فنحن نعيش كأننا معزولون تماماً عن العالم الخارجي، وكأننا لسنا من هذا الوطن، فأولادنا يسمعون بشبكة الإنترنت ولكنهم لا يستطيعون الوصول إليها في منازلنا، مع أن تشجيع الإطلاع على العلوم والتقنيات العالمية كأن من أولويات الجمعية العامة للمعلوماتية، وطالبت بتسهيل أمور الوصول إليها.

اضطراب وقلق.. وعزلة

هذه هي جرمانا، جارة الفيحاء، تعيش عصراً من الاضطراب والقلق والعزلة، فمتى كان أهلها يخافون مواسم الخير والمطر؟! إن «قاسيون» تضم صوتها لمطالب المواطنين في مناطق توسع البلدة أو المناطق السكنية الأساسية، ومن حقهم الحصول على الخدمات التي يدفعون الضرائب من أجلها، وليس فقط من أجل ذلك، بل من أجل جمالية المدينة ووجهها الحضاري. يجب تزفيت الشوارع المحفّرة بطبقة إسفلتية (قميص) قبل هطول الأمطار، فيصبح من المتعذر عمل ذلك، أما من ناحية شبكة الهاتف الأرضي، فقد رصدت «قاسيون» على أرض الواقع نهايات الكابلات الرئيسية الممددة إلى أماكن السكن، تتدلى في الهواء عند كل مدخل، وبجانبها تم تثبيت علبة للتوصيل ولكن دون حياة، ودون دور قريب متوقع، فقد قال مدير مركز هاتف جرمانا لأحد المواطنين: «لا أعرف متى يتم توسيع الشبكة بالحصول على شرائح أرقام جديدة ومقاسم جديدة، قد تكون شهراً أو سنة أو عشر سنين، لا أحد يتأمل بصيص أمل ثابت أبداً»... لماذا هذه السياسة؟! ومن المسؤول عن التأخير؟! هل المؤسسة العامة للاتصالات عاجزة عن تأمين المقاسم الآلية (صناعةً أو استيراداً)؟!! أم هي خطة وتواطؤ مع مالكي خدمة الاتصالات الخليوية لزيادة أرباحهم ومداخيلهم على حساب المواطن الذي تزداد حاجته إلى الاتصالات ويحاول تأمينها حتى ولو بأسعار باهظة وعن طريق الخليوي؟!! إن «قاسيون» إذ تطالب بتوسيع شبكة الهاتف الأرضي في مدينة جرمانا، فليس هناك من عائق، لأن البنية التحتية لهذا الشبكة جاهزة، وبانتظار التفعيل فقط، فإن في ذلك خدمة كبيرة للمواطن، ومظهراً جيداً من مظاهر الحضارة والحداثة، وحفظاً لكرامة الوطن والمواطن.