شاب واحد.. وطن في القلب
شاب واحد، يدافع عن نفسه ويبقى واقفاً أمام أكثر من 100 شخص حاولوا «تأديبه»، لأنه كان في نظرهم «ينوي» الخروج للتظاهر!..
هذا ما حدث في ساحة «الشعلة» في مدينة السويداء يوم الجمعة 17/6/2011، الشاب لم يكن يتظاهر، لأن «المتظاهرين المفترضين» مُنعوا أساساً من الوصول إلى الساحة.. هو لم يتعرض لأحد، لم يتحرش بأحد، وقف بالقرب من سيارة الشرطة وفيها عناصرها، فالشرطة «في خدمة الشعب»، ولا يمكن لأحد تجاوز القانون أمام الشرطة، أو هكذا يفترض!...
هو لم يدعِّ البطولة، ولم يكن هدفه التصادم مع أبناء بلده ومدينته، كان مارّاً من الساحة المليئة بعناصر الأمن والأفراد «المضادين للمظاهرات»، فكان الذي كان.
«شو عم تساوي هون؟؟ أنت متظاهر؟؟!».. بهذه الكلمات قابله زعيم «المضادات البشرية» ذو السمعة السيئة والسلوك الإجرامي «الحسن»، والذي حاول التحرش بصديقته الموجودة بقربه.. ردّ الشاب بأدب أولاً، ثم تابع الرد دروساً بالشجاعة والبطولة بعد أن تكاثر «الزعماء» من حوله...
رفض الإهانة، رفض أن يحني رأسه ويكمل طريقه المسلوب.. دافع عن مساحة صغيرة كان يقف فيها، فبأي حق يمنع المرء من المشي في شوارع وطنه.. في شوارع مدينته تحديداً؟! بأي حق يقف كل عناصر أجهزة الأمن وأفراد الشرطة متفرجين على اعتداء سافر مثل الذي تعرض له؟؟ بأي حق يتدفق مشاغبون لضرب الشاب/ المواطن، وهم ينشدون الأهازيج الوطنية الشعبية؟ بأي حق يقف ضابط في جهاز أمني، ويصيح لـ«المضادين الأشاوس» وهم يتهجمون على الشاب الوحيد: «ابطحوه ع الأرض و دعسو عليه»؟؟.. أم أن ضابط الأمن اشتهى في تلك اللحظات أن يتحول إلى «سيناريست» لفيلم «قرية البيضا» الإصدار السابع؟!.
لم يعلم أحد ممن شارك بالاعتداء «الشعبي» أن هذا الشاب نفسه ذهب في ذكرى النكبة حاملاً دمه على كفه عندما دخل الوطنيون الأبطال (سوريون وفلسطينيون) إلى أراضي الجولان المحتل، شرب من ماء مجدل شمس، وحضنه أبناء مجدل شمس، ولعله بكى فوق أرض مجدل شمس... ولم يسألوا ليعلموا أنه هو ذاته شارك في استعادة جثامين بعض الشهداء الذين سقطوا على أرض الجولان المحتل في ذكرى النكسة...
للأسف، ربما لن يعلم أحد منهم كيف يرى هو لا غيره: «أن الوطن وإن كانت أرضه بوراً.. سينمو فيه الزهر ويثمر»..
هذا الشاب، يوم الجمعة الماضية، كان هو الخطر على الوطن، أما الآخرون؛ اللصوص المجرمون، تجار الدعارة، مروجو المخدرات، الفاسدون والمفسدون، كانوا هم المدافعون عن الوطن.. وعناصر أجهزة الأمن كانوا هم الجمهور!!.
ظل الشاب واقفاً أمام كل من حاول الاعتداء عليه، ليس لأنه خارق لقوى الطبيعة، أو لأنه مسلح «بغير الحب»، ظل واقفاً لأنه صاحب حق، ومواطن كريم يرفض الذل والخنوع والخوف..
في السويداء تتكرر حالات الاعتداء على المتظاهرين منذ بدء الحراك الشعبي، ولطالما رفض المتظاهرون الرد على الاعتداءات خوفاً على وحدة أبناء محافظتهم ذات السمات الاجتماعية الخاصة، والتي تجعل من حوادث كتلك سبباً أكيداًُ لضرب أبناء البلد بعضهم ببعض، سبباً للفتنة والتفرقة.. المتظاهرون يرفضون الرد وغيرهم يستخدم «سلميتهم» سلاحاً ضدهم!..
في يوم الجمعة، خرج أحد القاطنين في الساحة من بيته وساعد الشاب على الخروج من دائرة «الضرب» وأدخله إلى منزله، وقفت زوجته الحامل أمام كل «الضريبة» وصاحت بهم: «يا أنذال، كلكم ضد واحد؟ إن كنتوا رجال بتدخلوا الدار وبتاخذوه على جثتي»!.
في يوم الجمعة، هرب الوطن من هدير الأهازيج الشعبية تتغنى بالدفاع عن الوطن، واختبأ في قلب هذا الشاب الذي كان يئنُّ؛ ليس تعباً من الضرب، بل خوفاً على بلاده.
يومها، كلنا تعلمنا دروساً كثيرة، في الشجاعة والبطولة والوطنية.. حين وقف الشاب وحده، وقف يدافع عن نفسه، عن جزء صغير من وطن يقبع في قلبه، لئلا يعتدي عليه أحد.