العراة

أكثر من 400 رجل وامرأة في بريطانيا قاموا بالتعري على شاطئ في جنوب ويلز على إثر دعوات على الانترنت وذلك لتحقيق رقم قياسي، وجاء في الخبر أن الناطقة باسم هذا التجمع عبرت عن سعادتها بالحدث، وقالت إحدى المشاركات والتي جاءت من البرازيل إنه لحدث عظيم ومتعة كبيرة أن نتعرى وننزل في المياه الباردة، فيما قالت منظمة الدعوة إنها تشعر بالسعادة لأنها لم تتوقع مثل هذا الحضور الكبير

واقعنا المضطرب لا يحتمل نقاشاً حول الأسباب التي دعت هؤلاء للاستجابة لهذه الدعوة، أو من هم، وما هي معتقداتهم أو هويتهم الوطنية، مع أن الخبر يميل إلى تعدد جنسياتهم، ولم يحدد ألوانهم وثقافتهم، ولكن السبب الجلي هو تحطيم رقم قياسي في عدد المتعرّين.
يتعرى البشر إذاً من أجل سبب كبير أو وضيع، وفي أهم الأسباب هو استمرار النسل البشري، فنحن نتوالد عندما نتعرى، ونتكاثر ونحن عراة، وقد يكون الدافع إلى التعري كما يحصل في اسبانيا احتجاجاً على قتل المصارعين للثيران في الحلبات، أو يتعرى البريطانيون احتجاجاً على ثقافة السيارات ودفاعاً عن البيئة، أو استجابة لدعوة (مادونا) التي تقول بأن على الإنسان أن يسير عارياً ولو مرة واحدة في حياته.. وينادي بعض نشطاء حقوق الإنسان مطالبين بما يسمى حق التعري.. لكننا في النهاية نتعرى عندما نستحم، ونتعرى جزئياً للتغوط أو التبول أكثر من مرة في اليوم.
اليوم نخرج إلى شوارعنا عراة بأصواتنا، وليس مهماً ما نقول، وما نهتف.. اليوم باستطاعة أي منا أن يجد مخرجاً لرغبة مكبوتة في داخله، ولصوت يتصدع في صدره منذ زمن، ألم يقل كل واحد منا لصديقه أو زوجته أو جاره ذات يوم: «أريد أن أصرخ».
منذ وقت قصير نجرب عادة لم تكن في قاموس أيامنا، وقد يقول البعض إننا كنا نخرج سابقاً وفي مناسبات كثيرة، مرة من أجل دعم المقاومة، ومرة من أجل مساندة قطر عربي يستباح، ومرات من أجل فلسطين، ومرة ضد استباحة الغرب لمقدساتنا الروحية... نعم.. لكن ما نفعله اليوم أمر آخر، ومهما كان موقفنا، وموقعنا.. نخرج اليوم فقط، من أجلنا، ومن أجل وطن كبير، وأننا نتعالى اليوم على كل مشاكلنا النفسية والاجتماعية والمالية من أجل أن نكّون قاموساً جديداً لهتافنا، ومهما يكن الشارع الذي اخترناه نجدد اليوم ذواتنا، ونتدرب على إيقاع يعلمنا الأناشيد الموحدة، وينظم حناجرنا على نبضات القلوب.
اليوم فقط ندرك أننا بحاجة إلى عري لأكثر من مرة، وإلى عري بسبب، ليس من أجل رقم قياسي، أو دفاعاً عن حيوان يذبح على حلبة مصارعة، بل من أجل عري يلخّص لفكرة أسمى هي الوطن.
الشوارع خرجت منذ أيام قليلة، وانفتحت على أناشيدها، ويصرخ السوريون اليوم من كل قلوبهم الخالصة التي نعرفها.. لكنهم بحاجة إلى التذكر دائماً أينما كانوا، ومهما تكن الفكرة التي يؤمنون بها، أن يتعروا قبل خروجهم من البغيضة، ومن الكراهية التي لا تقبل الآخر إلا عدواً.
إلى كل الخارجين إلى الشارع العريض الذي يتسع للجميع، أعلنوا براءتكم من فتنة الإقصاء، فهنا كلنا نتقاسم شراكة البقاء والموت، فالطائفية والبغضاء والكراهية ليست سوى عباءة النهاية التي ستحملنا جميعاً إلى مذبح العار.
عراة نسير إلى وطننا جميعاً.. من كل الجهات لا قلب لنا سوى دمشق الخالدة، ولا شريان سوى بردى.. ولا نشيد ينقذنا جميعاً سوى.. موطني.. موطني.