مطمر النفايات الصلبة الجديد بجيرود.. مخالفة صريحة لكل الشروط البيئية والمحافظة تتفرج!
أقامت وزارة الإدارة المحلية والبيئة ورشات عمل عديدة للحفاظ على البيئة، ومنها ما كان يتعلق ببناء القدرات لإدارة متكاملة للنفايات الصلبة في سورية، وذلك بالتعاون مع الهيئات والمنظمات الدولية المهتمة بالبيئة مثل برنامج المساعدة الفنية للبيئة في المتوسط، وكان الهدف من هذا البرنامج إعداد معايير أو أدلة بيئية لنشاط النفايات الصلبة في سورية عبر مراجعة إدارة النفايات الصلبة فيها، ووضع جميع المعلومات الخاصة بالنفايات الصلبة في بيانات على الحاسوب، وكذلك جمع المعلومات الخاصة بالمعامل الصناعية للاستفادة منها عند إجراء أية دراسة، بالإضافة إلى جمع الدلائل الخاصة بالتوعية المجتمعية بشكل عام، علماً أن المشروع الإقليمي لإدارة النفايات الصلبة كان ممولاً من الاتحاد الأوربي ونفذته وحدة الميتاب في البنك الدولي بهدف بناء القدرات الوطنية والإقليمية لأجل إدارة متكاملة ومستديمة للنفايات الصلبة في الدول المستفيدة.
لكن اللافت في الأمر أن هيئة الاستثمار السورية التي أعلنت في خططها عن تشميل 1395 مشروعاً صناعياً بدءاً من 1991، حتى نهاية العام 2009، حسب القوانين التي وضعتها لتشجيع الاستثمار، لم يكن نصيب المشاريع الاستثمارية منها سوى 13 مشروعاً بيئياً فقط، وكانت نتيجة هذا العدد «المخزي» من المشروعات البيئية وصول كلفة التدهور البيئي في سورية حسب الأرقام المنشورة إلى أكثر من 45,6 مليار ليرة سورية سنوياً، أي ما يعادل 2.4% من الناتج المحلي الإجمالي حسب الدراسة التي أجرتها الجمعية الوطنية للتنمية البيئية، والمشكلة أنه ومنذ صدور القانون في العام 2002، وإدخال تعديلات جديدة عليه في العام 2004، لم يتم اتخاذ أي إجراء قانوني حقيقي ضد أي مستثمر أو صناعي، ما تسبب بتجاوزات عدة هنا وهناك، ومنها التي بين أيدينا حين قررت محافظة ريف دمشق إقامة مطمر للنفايات الصلبة ضمن مملحة جيرود على أرض بمساحة كاملة تقارب /5800/ دونم، وتمت المباشرة به منذ فترة قصيرة بعد أن نقل من موقعه الأساسي، والذي كان يبعد عن المملحة بمسافة حوالي /3,5/ كم بجانب جبل الطرافة. وقد تم نقله دون معرفة الأسباب الحقيقية لذلك... إلا أن متعهد المشروع وحسب تصريحاته أوضح أن الموقع القديم ذو أرض قاسية لا تصلح للعمل والموقع الجديد ذو أرض لينة وهشة.
وعن الأضرار الناجمة عن هذا المطمر أكد عدد من المهندسين والخبراء أن أرض المملحة مؤلفة من سبخات، وهي عبارة عن حوض مائي تغذي المنطقة بكاملها وكل السيول تتجمع في هذا الحوض من مسافة قد تبعد أكثر من /50/كم. وبالتالي فإن وجود مطمر للنفايات في المملحة سيؤدي إلى تلويث بيئي خطير للحوض السطحي للمنطقة.
بعد تبيان الأضرار واعتراض البلدية والأهالي على إقامة المطمر تم تشكيل لجنة من المحافظة ضمت نائب المحافظ، ومدير الخدمات الفنية، ومدير البيئة بالمحافظة، حيث أكد مدير البيئة أن الموقع غير صالح للمطمر كلياً، لا بل إنه كان يود بجعله محمية طبيعية، أما المجلس البلدي فقد أكد بدوره على عدم رغبته نهائياً بوجود المكب في هذا الموقع بالذات وقد بين المجلس البلدي ذلك من خلال قرار اتخذه، لكن الغريب في القضية أنه وعلى الرغم من كل هذه الاعتراضات فإن المشروع مستمر!..
أهالي جيرود بعد أن طفح بهم الكيل قدموا عريضة لرئيس الحكومة عادل سفر ناشدوه للإيعاز بإيقاف العمل بالمطمر، ونقله إلى مكانه الأساسي حفاظاً على البيئة وعلى صحة سكان أهالي موضحين بعريضتهم الملاحظات التالية:
رغم كل الاعتراضات وعدم موافقة مجلس البلدية، ورأي مدير البيئة، فإن المشروع لم يتوقف ولم يتغير مكانه؟.
نؤكد تدفق مياه شرب صافية بغزارة من مكان الحفر للمطمر، وهي مياه صالحة للشرب وبكمية غزيرة؟.
عام 2010 الذي انقضى كان عام البيئة في محافظة ريف دمشق، الذي انتهى بصدور حكم الإعدام بحق مدينة جيرود ومواقعها البيئية والأثرية من خلال تحويل مملحتها إلى مطمر للنفايات الصلبة. رغم أن المملحة تعد المتنفس الوحيد لأهالي المنطقة، ومحطة استراحة للطيور المهاجرة كما بات أكثر من /50/ ألف نسمة مهددون بأمراض خطيرة نتيجة تلوث الماء والهواء والترابة. فهل سيكون مصير سكانها كمصير الطيور، مسألة وقت وتهاجر؟!...
تبلغ مساحة المملحة حوالي /4/كم2 وتقدر سعتها بنحو /13/ مليون م2 من المياه، ويشكل قاع البحيرة الطبيعية الحوض الجوفي للمنطقة، ويقع بجوارها المرملة «التعوس» وهي على أشكال كثبان رملية هرمية، وتعد معلماً طبيعياً نادراً في سورية.. وفي عام 1981 كشفت البعثة السورية الفرنسية للتنقيب عن الآثار في منطقة المملحة على آثار تعود للعصر الحجري كان يستخدمها الإنسان، وقالت البعثة في تقريرها: «تتجمع مواقع ما قبل التاريخ على امتداد الضفة الشرقية للبحيرة القديمة والتي تسمى مملحة جيرود».
وطرح الأهالي في ختام عريضتهم مجموعة من الأسئلة وهي:
من المسؤول عن نقل المطمر من جبل طرفة في البترا إلى المملحة جانب بناء الإدارة، وهو موقع يصنف شعبياً موقع اثري إضافة أن المنطقة سياحية بيئية (بجوار التجمع السكاني)؟.
كيف تم نقل المشروع إلى مكانه الجديد، والبدء به دون معرفة البلدية رغم أنه ضمن حدودها الإدارية؟.
هل تم أخذ موافقة وزارتي البيئة والسياحة لإقامة هكذا مشروع ضمن منطقة تعد المتنفس الحيوي والبيئي والسياحي لمنطقة تضاريسية لا تعرف سورية سواها؟.
أبسط المخالفات في البناء يتم هدمها، وتطلب البلدية مؤازرة من الشرطة، وأحياناً قوى حفظ النظام، والسؤال: كيف يتم البدء في مشروع يصنف بأنه كارثي على البيئة والإنسان والبلدية لا تتخذ الإجراءات.
وفي السياق ذاته قدم الأهالي معروضاً إلى محافظة ريف دمشق بتاريخ 8/6/2011، قالوا فيه: إلى محافظ ريف دمشق نحيطكم علماً أنه تم تخصيص قطعة أرض بمساحة حوالي /500/ خمسمائة دونم في موقع الطرفة خارج الحدود الإدارية لمدينة جيرود لإنشاء مطمر نفايات صلبة وذلك بموجب محضر الكشف المحرر بتاريخ 14/4/2008 الصادر عن بلدية جيرود، والمتضمن الموافقة على تسليم موقع العمل خارج منطقة التحديد والتحرير بعد إجراء الدارسة الفنية، واتجاه الرياح وبعده عن المدينة حيث يبعد حوالي /7/ كم وخاصة وجود التربة غير النفوذة الملائمة لهذا النوع من المشاريع.
وقامت بلدية جيرود بتسليم موقع مختلف بالمكان والشروط حيث أصبح لا يبعد عن المدينة أكثر من /4/كم، وضمن الحدود الإدارية في العقار رقم /796/ من المنطقة العقارية 4/18 البالغة مساحته /2150/ ألفان ومائة وخمسون دونماً في أراضي أملاك الدولة، علماً أن الموقع الجديد لا يحقق الشروط لمثل هذه المشاريع وأهمها:
الموقع مجمع للسيول يتميز بالتربة النفوذة وهو عبارة عن سبخة تشكل المصدر الرئيسي والوحيد لتغذية حوض المياه الجوفية للمنطقة بأكملها (سهل القلمون) لأنها أرض رملية.
الموقع الجديد يفصل الأحياء السكنية عن المملحة التي اصبحت مؤخراً مشروعاًُ قيد الإقرار لتكون على الخارطة السياحية في المنطقة التي تفتقر لأي مشروع سياحي آخر، والتي تعتبر أحد المحميات البيئية في المنطقة علماً أنها المتنفس والمنتج الوحيد لأهل المنطقة يلجؤون للاستجمام فيها على مدار العام.
تعتبر المملحة ثروة اقتصادية، وخاصة في سنوات الهطول حيث توزع مادة الملح لأنحاء سوريا، إضافة إلى رمالها الجصية المستخدمة في صناعة الجبس الطبي ورمل المازار.
ويطالب الأهالي المحافظ بالنظر بعين الاهتمام وإجراء اللازم لإلغاء المشروع أو إعادته إلى الموقع الأساسي المدروس حسب محضر الكشف المرفق، وليس هناك دليل على خطأ الموقع الجديد أكبر من تسبب أحد الهطولات العادية في توقيف العمل في المشروع بسبب امتلاء الحفر بالماء خلال ساعات فقط، وتم توقيف العمل فيه لفترة ولا نعلم ما السبب الذي أدى إلى عودة المتعهد بمتابعة العمل في المشروع، ولا نعلم أيضا أيهما اقرب للمنطق: أن نخسر بضع ملايين؟ أم أن نتسبب بخسائر تتجاوز الملايين الملايين؟؟.
أخيراً لا بد من التأكيد إن أي مشروع من هذا القبيل يجب أن يهدف لتوفير الوسائل المتاحة لأجل تصميم وتطوير وتطبيق العناصر الأساسية للإدارة المتكاملة للنفايات، كموضوع مشاركة القطاع الخاص وموضوع الوعي العام، ومشاركة المجتمع.
لذا فإنّ المطلوب من وزارة البيئة العمل على تطبيق المزيد من التشديد عند الموافقة على أي مشروع كهذا، وإيقاف كل المشاريع المخالفة وإنزال العقوبات بجميع المخالفين وعلى رأسها المنشآت التي خالفت الشروط البيئية وأهمها مطمر النفايات الصلبة في جيرود.
فهل يستجيب رئيس مجلس الوزراء ومحافظ ريف دمشق لمطلب الأهالي، أم أن مطالبهم ستذهب أدراج الرياح أو تأكلها المطامر؟!.