عبسي سميسم عبسي سميسم

الأسعار تعصف بأحزمة الفقر وتكاد تقطعها لأول مرة في التاريخ.. الخضار تتجاوز المائة ليرة!

بالرغم من كل الادعاءات والأرقام التي تطرحها الحكومة حول معدل نسبة النمو الذي يرتفع باستمرار، والميزان التجاري الرابح، وسعر صرف الليرة المستقر بالنسبة للدولار.. إلخ. وبالرغم من الادعاءات الكاذبة حول انخفاض معدل الفقر (والتي لا ندري على أية دراسة استندت) إلاّ أن المواطن السوري الذي لا تهمه كل هذه الادعاءات، ولا تعني له شيئاً كل هذه الأرقام، التي تعدها الحكومة إنجازات، ما يزال يعاني الأمرين، من حكومته تارة، ومن جشع التجار والمحتكرين تارة أخرى، وفي أحيان كثيرة من الاثنين معاً..

 هذا المواطن السوري المحدود الدخل وضعه المعيشي يسير من سيئ إلى أسوأ رغم كل ما يقال، والحكومة تضيق عليه سبل العيش بفرضها المزيد من الضرائب، وبعدم تدخلها ولا حتى الخجول الذي اشتهرت به، للحد من الجنون غير المسبوق للأسعار، وبعدم قدرتها على خلق توازن بين الدخول والأسعار، يضاف إلى ذلك تواطؤها مع التجار والسماسرة، بتركها لهم الحبل على الغارب في اقتصاد سوق لا توجد فيه آليات تضبط وتنظم العلاقة بين العرض والطلب، وكأن الجانب الاجتماعي في اقتصاد السوق بالنسبة للحكومة هو دعم مجتمع التجار والسماسرة، فرغم الحديث المتكرر للعديد من مسؤولي الحكومة عن سعيهم لإبقاء الأسعار على حالها، وحديث البعض الآخر عن تخفيض أسعار بعض السلع، إلا أن الحكومة كانت بكل أسف، هي القدوة للتجار للتجرؤ برفع أسعار سلعهم، وذلك برفعها هي أولاً، لمعظم أسعار السلع التي توزع عن طريقها!!
 
الدواء.. الداء!

على صعيد الأدوية مثلاً نجد أن معظم شركات الأدوية اقتدت بشركة تاميكو التي رفعت كل أسعار منتجاتها بنسب تتراوح بين الـ10 والـ50% ففعلت المثل، فقد ارتفع سعر شراب الالتهاب ماكسيسلين وأوفربن من 45 إلى 55 ل.س، كما ارتفع سعر حبوب غلوستات لعلاج مرض السكري من 38 إلى 60 ل.س، ومرهم رينكونان ارتفع من 54 ل.س إلى 60 ل.س، أما حبوب نيفيدين لمرضى القلب فقد ارتفعت من 49 ل.س إلى 75 ل.س، وارتفعت حبوب الالتهاب أوفربن من 40 ل.س إلى 50 ل.س.
وتيمنا بشركة تاميكو فقد رفعت شركة «نستلة» علبة حليب النيدو من 150 ل.س إلى 180 ل.س للعبوة الصغيرة، كما رفعت سعر كيس النيدو من 240 ل.س إلى 290 ل.س، وأيضاً ارتفع حليب «نان» من 175 ل.س إلى 200 ل.س، وارتفعت جميع أنواع السيريلاك بمقدار 5 ل.س..
كما قامت الحكومة برفع أسعار بعض المستحضرات الطبية التي تستورد عن طريقها، حيث رفعت سعر صابونة «أكتي ريموف» (وهي صناعة هولندية وتستورد عن طريق الحكومة) من 85 ل.س إلى 120 ل.س.. وعلى مبدأ (ما حدا أحسن من حدا)، فقد قامت الشركات الخاصة برفع أسعار جميع المستحضرات الطبية وغير الطبية، فارتفع سعر الديتول من 45 إلى 60 ل.س، كما ارتفعت أسعار الفوط النسائية من 40 ل.س إلى 50 ل.س، وارتفع سعر كيس السيروم من 60 ل.س إلى 75 ل.س.
 
المواد الغذائية.. ارتفاعات جنونية

أما بالنسبة للمواد الغذائية فهي ترتفع منذ سنة تقريباً بشكل متوالية حسابية، ولكن وفي الشهر الأخير، وبعد حديث السيد الرئيس في خطاب القسم عن أن الحكومة تدرس زيادة الأجور، عمد معظم السماسرة والتجار إلى استغلال هذا الخطاب، وبادروا إلى سرقة هذه الزيادة حتى قبل حصولها، فرفعوا معظمهم أسعار المواد الغذائية الأساسية التي يحتاجها المواطن بشكل يومي، فعلى سبيل المثال سمنة ماركة (طيبة) ارتفعت خلال الشهر الأخير من 800 ل.س إلى 1000 ل.س، وارتفع صندوق البيض من 110 ل.س إلى 165 ل.س، ولم يكف تجارنا ما فعلوه بالبلد على مستوى أسعار المواد المحلية والمستوردة، فأشاعوا أن موسم الشاي قد تلف في سيلان، فرفعوا سعر الكرتونة (5 كغ) من 800 ل.س إلى 1000 ل.س، كما رفعوا سعر علبة الشاي الكرزة (400 غ) من 100 إلى 140 ل.س، وارتفع كيس الرز من 500 ل.س إلى 600 ل.س، وما يزال الحبل على الجرار، والأسعار في حالة مستمرة من التصاعد شبه اليومي..
 
الخضار والفاكهة.. أرقام قياسية

أما عن الخضار والفواكه فحدث ولا حرج، فلأول مرة في تاريخ سورية يتجاوز الكيلو غرام من بعض أنواع الخضروات التي ظلت رخيصة تاريخياً بشكل نسبي، المائة ليرة سورية، فكيلو الباميا وصل إلى 120 ل.س، وكيلو الفاصولياء الخضراء تعدى حاجز المائة ليرة، والبطاطا وصل سعرها إلى 40 ل.س، والخيار والبصل (مع أننا في الموسم) فيباع الكيلو غرام الواحد منهما بـ 20 ل.س، أما التين الأخضر فسعره 40 ل.س، وأما الثوم فقد ذهب بعيداً حيث أن سعره تعدى حاجز الـ175 ل.س، وبالنسبة للبقوليات من حمص وفول وعدس، التي كانت تباع سابقاً كحد أقصى في مثل هذه الفترة بـ25 ل.س، فقد لامست (حيطان) المائة ليرة سورية.
 
الغلاء.. حديث الناس

السيد أبو حميد صاحب بقالية، أكد أن هناك ارتفاعاً غير مسبوق بأسعار معظم المواد دون مبرر أو سبب سوى جشع التجار وعدم اكتراث الحكومة بما يفعلون. وأضاف: من خلال وجودي في البقالية فإنني أرى أناساً وصلوا إلى درجة لا تتحمل من الحاجة والفقر، فكثير من النسوة يأتين بخجل الاضطرار للاستدانة من عندي، وغالباً ما تكون حاجاتهن بسيطة: ربطة خبز على سبيل المثال..
وفي سوق غربة في حجيرة أكد غازي.ع وهو بائع خضار أن معظم النسوة ينتظرن حتى نهاية السوق ليتمكن من شراء بقايا الخضار بأسعار أقل من سعرها الملتهب، وأكد أن أعداداً كبيرة من النسوة يأتين ويلتقطن ما يبقى من الخضار المهترئة التي يرميها الباعة والتي لا تصلح للاستهلاك الآدمي!!.
أما السيد جلال الصيرفي صاحب ميني ماركت في القابون فقد أكد أن وزارة التجارة الداخلية لا تتدخل للحد من ارتفاع الأسعار، بل تلاحق أصحاب البقاليات وتنظم ضبوطات بحقهم في حال تبين أن هناك خللاً في مواصفات السلامة رغم وجود ماركة عليها ووجود اسم صاحب السلعة وعنوانه، فبدلاً من أن تلاحقه، لتأخذ عينة من البقالية وتقوم بفحصها في مخابرها، وفي حال وجود مخالفة في المواصفات تحيل الضبط إلى المحكمة التي تخالف صاحب المحل وتترك صاحب المعمل!! وأنا شخصياً كتب بحقي ضبط نتيجة عينة أخذها التموين لأحد أنواع دبس الرمان، وبعد أن فحصت العينة تبين أنها مخالفة للمواصفة 1127 /1999 لانخفاض نسبة الحموضة بمقدار 2.72%، وبدلاً من ملاحقة صاحب المنشأة التي صنعت السلعة تمت ملاحقتي وحكمت عليّ بالسجن لمدة 3 أشهر وغرامة مالية قيمتها 3000 ل.س، بالإضافة إلى تغريمي بقيمة التحاليل!! وتساءل السيد جلال: هل يجب على كل صاحب بقالية أن يمتلك مخبراً لتحليل كل السلع التي يقتنيها ليعرف إن كانت مخالفة للمواصفات أم لا؟؟ إن مجرد شرائنا للسلعة ذات الماركة النظامية وبفاتورة نظامية يعفينا من المسؤولية، إلا أن مديرية التجارة الداخلية لها رأي أآخر كوننا الحلقة الأضعف!!

• •

عدنان دخاخني:

كما تدخلت الدولة من أجل الليرة عليها أن تتدخل لمنع ارتفاع الأسعار
 السيد عدنان دخاخني عضو مجلس الشعب ورئيس جمعية حماية المستهلك قال: إن سبب غلاء الأسعار الرئيسي هو الجشع الكبير من قبل الحلفات الوسيطة بين المنتج والمستهلك، لأننا لو رجعنا إلى حلقة الإنتاج الأولى وتتبعنا سير المنتج إلى أن يصل إلى المستهلك، سنجد أن الفرق كبير بين السلعة التي يبيعها الفلاح وسعر السلعة نفسها التي يشتريها المواطن. وبالنسبة لارتفاع أسعار المواد الغذائية، فبعض هذه الأسعار ارتفعت بسبب الجشع، والبعض الآخر سببه ارتفاع عالمي في الأسعار كما في الزيوت على سبيل المثال، وقد ساهمت الدولة عن طريق الجمارك برفع هذا السعر مرة أخرى برفعها للقيمة الجمركية للمستورد، وأعتقد أنها لعبة مصالح، وهي مصالح الشركات التي أنشأت على قانون الاستثمار رقم (10)!! وأعتقد أنهم هم الذين طلبوا رفع الأسعار بحجة حماية منتجاتهم، لذلك فنحن بحاجة إلى حملة وطنية تتعلق بموضوع الأسعار وإعادة الأمور إلى نصابها، ونحن كجمعية حماية المستهلك، سنتحرك ونحض عناصرنا في الجمعية لينزلوا إلى الأسواق ويجولوا فيها ويعطونا نتائج جولاتهم..

• برأيك ما هي مسؤولية الدولة تجاه هذه الأزمة؟

- نحن نطالب الدولة كما تدخلت في سعر الدولار وخفضته أن تتدخل في وقف الأزمات، لأن هذه مسؤوليتها، فالدولة هي رب المواطنين، ويجب أن تحميهم خلال الأزمات، ونحن نعلم أنها تحركت في فترة من الفترات فاستطاعت أن تخفض الأسعار قليلاً. نحن لا نريد أن يكون المواطن ضحية الجشع في الأسواق، كما أننا لسنا مع رسم الإنفاق الاستهلاكي وخاصة على المواد الغذائية كالزيت الذي يدخل في كل أنواع الطعام السوري، وطالبنا بأنه إذا كان لا بد من أخذ هذه الضريبة فلتكن ضريبة مقطوعة على الكيلو وليس نسبة مئوية، لأنه في حال ارتفاع سعر الزيت فإن الضريبة ستزيد وبالتالي ستصبح عبئاً ثقيلاً على المواطن.

• أنتم كجمعية حماية المستهلك ما هو الدور الذي يمكن أن تقوموا به في هذه الأزمة؟

- نحن جمعية ليس لديها موارد وليس لدينا قانون نستطيع أن نعمل من خلاله، فنتمنى بأسرع وقت ممكن أن يصدر قانون حماية المستهلك، وحينها نستطيع أن نأخذ دورنا بقوة القانون، نحن الآن بكل أسف نعمل بموجب النظام الداخلي للجمعية، وليس لدينا موارد مالية تمكننا من العمل، ووزارة الشؤون الاجتماعية أعطتنا منذ ثلاث سنوات 25 ألف ليرة سورية، ومنذ ذلك التاريخ لم نتلق أية معونة من أحد!!
لذلك عندما يصدر قانون حماية المستهلك سنطالب بأن يكون هناك اعتماد مالي للجمعية من الدولة، وأن تحاسب وتعامل كأي مؤسسة رسمية، حينها نستطيع أن نمارس دوراً أكبر، ففي إحدى الدول المجاورة (لبنان) طلبت جمعية حماية المستهلك من المواطنين عدم شراء اللحوم ليوم أو يومين من أجل خفض سعره، واستطاعت أن تخفض السعر لذلك يجب أن يكون لدينا مثل هذه الثقافة وهذه الإمكانيات والفرص.

••

وماذا بعد؟؟
يجب أن تدرك الحكومة أن الجانب الاجتماعي في اقتصاد السوق هو جانب يتعلق بمجتمع الفقراء وذوي الدخل المحدود، وبالتالي فعلى الحكومة أن تتدخل لإنقاذ مواطنها من هذا التسارع الهائل وغير المسبوق في ارتفاع الأسعار، كي لا نصل إلى ما يسمى باقتصاد السوق المتوحش الذي لا يمكن لأحد فيه أن يتكهن بمدى الخطورة التي سترخي بثقلها على المواطن.. وعلى الحكومة نفسها.