حي «المعصرانية» الحلبي.. هدم واعتداءات خطيرة على السكان

 الصدمة والغضب هي المشاعر التي تنتاب أي زائر للمنازل المهدمة في حي المعصرانية، وكما يُقال «الحكي مو متل الشوف»، حيث المشاهد مماثلة لما كنا قد رأيناه في التلفاز لمخيم جنين أو الفلوجة بعد معارك مسلحة طاحنة.

هنا يتبدى البؤس بكل ماتعنيه تلك الكلمة من معنى على وجوه الرجال والنساء والأطفال المتعبين الذين التفوا حولنا (هنا لا وجود لأي نوع من أنواع الكليسترول أو الشحوم الثلاثية)، كلً منهم يسرد حكايته، ويرينا آثار ضربات العصي على جسمه، أو يرجوك أن تعاين بيته المهدم الذي بناه بالعرق والدم قبل أن تأتي جرافات البلدية المدعومة بمئات من عناصر الشرطة، وتبدأ بعملية تحرير الأرض المسلوبة من أهلها!!
يوم الأحد الماضي في 12/8/2007 كان دور فقراء حلب في دفع ضريبة الذل والتشرد كما دفعها ويدفعها أمثالهم في دمشق وحمص.. مشاهد «شحط» الأهالي وضربهم بعصي الشرطة والقنابل المسيلة للدموع ورمي الأطفال والنساء واعتقال الرجال.. قصص تكررت على مسامعنا كثيراً، وهنا يقارن الأهالي ما تمارسه معهم حكومتهم وما تفعله قوات الاحتلال في فلسطين. لم تراع أبسط الحقوق والأخلاق والقيم، براءة الطفولة وشيب المسنين سُحلت في يوم الأحد الماضي سحلاً، ومن لم تصبه عصي الشرطة، كانت القنابل المسيلة للدموع له بالمرصاد..
 
تفاصيل مؤلمة

حوالي الساعة الثانية عشرة من ظهر يوم الأحد 12/8/2007 أغار المئات من عناصر كتيبة حفظ النظام بحلب، وبمواكبة من جرافات البلدية على حي المعصرانية، وتم هدم حوالي ثلاثين منزلاً من أصل 107 منذرة بالهدم، تجرأ أحد المواطنين وسأل قائد تلك الحملة أن يريه أمر الهدم، فما كان منه إلا أن زجره، وقلل من قيمته!! تمت مصادرة أجهزة الخليوي من الناس كي لا يوثقوا مشاهد الهدم، وتم تطويق المنطقة كلها لمنع أي كان من مشاهدة ما يحدث، أحد السكان روى لنا كيف اعترضه أحد عناصر الشرطة بالضرب، وعندما قال له: أنا ذاهب إلى بيتي، فكان جوابه كان لك بيت هنا، والآن ليس لك بيت!!
 
الشرطة في خدمة الشعب

يبدو أن ذاك الشعار أصبح مصيره مثل مصير عبارة أخي المواطن أو أعزائي المواطنين، لأن عناصر الشرطة ومن خلفهم قائدهم المغوار تفننوا في تنفيذ أوامر الهدم والشحط والإهانة لأخوتهم المواطنين العرب السوريين، فكانت العصي ُتلهب أجساد «الأخوة المواطنين» دون تفريق بين طفل وامرأة وشيخ، حتى أن أحد الرجال المسنين الذي أنجد امرأة من بين أيدي أخيه الشرطي!! ويبلغ من العمر أكثر من 75 سنة، كان نصيبه الضرب والاعتقال بتهمة ممانعة دورية...
 
«اضرب ومَوت»!

عبارة سمعها الناس من قِبل قائد الحملة لبعض عناصره الذين أمعنوا في الضرب وتحطيم أثاث البيوت، وحتى نهب محتوياتها. المواطن صادق الرجب اأقسم أن نقوده قد سرقت من خزانته أثناء عمليات الهدم، ولم يقتصر أداء عناصر الشرطة على الضرب، وإنما فاضت أفواههم بالعبارات النابية والفاحشة للنساء مما نخجل من ذكره.
الشاب علي الهنداوي الذي اعتقل إخوته الستة، كانت أوتار يده المقطعة جراء ضربه بقنبلة دخانية ودخوله المشفى، هي السبب بعدم لحاقه بأخوته إلى مضافة سجن حلب المركزي.
 
القضاء العسكري مرة أخرى

حوالي 18 شخصاً اعتقلوا بتهمة ممانعة دورية أثناء تأدية عملها، وحولوا بموجب قانون الطوارئ إلى القضاء العسكري!! وبالطبع لم يسأل أحد ما إذا كانت قضيتهم بالغة الخطورة على أمن الوطن كي يتم تحويلهم إلى القضاء العسكري، وهل الدفاع عن البيت هو من التهم التي تستوجب العقوبة الرادعة؟ وبالتأكيد لن يسأل أحد البلدية أو المؤسسة العامة للإسكان صاحبة ملحمة مشروع السكن الشبابي الذي تفوح منه روائح الفساد في البناء والإكساء، نقول لن يسأل أحد لِم تم تنفيذ تلك الحملة الضارية خلال العطلة القضائية؟؟
وهنا لابد من توصيل أمانة حملنا إياها جميع أهالي الحي المنكوب إلى السيد الرئيس بشار الأسد أملهم في الخلاص من محنتهم تلك، وكما أنجد الشقيق والصديق، فهو لن يتوانى عن نجدة شعبه الذي يحبه، ولن يؤثر في ولائهم للوطن ما فعله بعض الموظفين المتنمرين.
وكنا في «قاسيون» قد كتبنا عن مشكلة حي المعصرانية الذي قاده حظه العاثر أن يكون ضمن مخططات المؤسسة العامة للإسكان للتوسع في السكن الشبابي، كونه الأقرب للمساكن العمالية المُشرع في بنائها منذ زمن، وتحولت إلى السكن الشبابي، وكذلك بؤس سكانها الذين لا يشكلون أي امتداد لعشائر قوية تساندهم أمام البلدية كما في مناطق مخالفات شهيرة أخرى، حيث يقع هذا الحي في الطرف الشمال الشرقي لمدينة حلب بالقرب من أوتوستراد حلب الرقة، وفي 5/ 12/ 1982 أصدر رئيس بلدية حلب قرار الاستملاك لعدد من المحاضر في المنطقة العقارية العاشرة بشكل كلي، ولـ 36 محضراً بشكل جزئي استناداً للمرسوم الجمهوري رقم 2279 لزوم توسيع طريق المطار ومد مجرور سكن البحوث العلمية بعرض 5 أمتار، وهنا لا توجد مشكلة، لأن الناس لم تقترب من المحاضر المستملكة كلياً، وتم البناء على المحاضر المستملكة جزئياً بعد أن أخذت البلدية حاجتها من الأراضي، وكان الشراء يتم بحكم المحكمة. في عام 2002 قامت بلدية حلب ببيع أو التخلي للمؤسسة العامة للإسكان عن الاستملاك الجزئي التي استملكت المنطقة بشكل كلي دون دفع ثمنها للسكان، واكتفت بإيداع مبلغ 8 ل.س للمتر المربع في المصرف لأصحاب المحاضر الأساسيين، كون عدم تنظيم المنطقة حافظ على المالك ولكن البيع كان يتم بحكم محكمة للأسهم.
العشرات من الكتب والعرائض بخصوص تلك المشكلة لم تفعل شيئاً،ً وكان مصير أغلبها الإهمال أو الضياع. المكرمة الوحيدة التي وجهها مكتب رئيس مجلس الوزراء لوزير الإسكان والتعمير بتاريخ 4/7/2005 هي بالسماح لـ 627 شاغل بالتسجيل على المساكن الجديدة، مثلهم مثل أي مسجل آخر، وهنا لب المشكلة، وهو المقابل المادي للأراضي والبيوت، التي يبدو أن الإسكان يصر على تجاهله تماماً، وهو بذلك يخالف كل قوانين الاستملاك حتى في أبشع صورها.
ومنذ ذلك الوقت وسكان الحي، الجميع بلا استثناء، لا يعرفون للراحة مكاناًًُ.