شريعة الغاب.. في «رصيف» الغاب
المتربصون الكامنون للانقضاض على بلدنا سورية، بلا شك، أذكياء إلى حد الخبث. فعندما كانوا أصحاب سلطة استخدموا هذا الخبث لنهب البلاد وقمع الشرفاء حيثما استطاعوا، وهم الآن يبشرون حلفاءهم بالعودة للبلاد، في كل مناسبة أو إطلالة تلفزيونية، محرضين بادعاءات ملؤها التفاؤل لاسترجاع الملك الضائع، حسب اعتقادهم. وبذلك لا يراهنون على الدبابة الأمريكية فقط، وإنما على الحليف الرئيسي المتمثل بالفساد، وما يتبعه من غبن للمواطن، في ظل سيادة سياسة التهميش للقوى الفاعلة.
وبما أن الحروب تديرها العقول، فلكل عقل تدابيره، وعند اشتداد المعارك تستخدم كل صنوف الأسلحة. فخدام وثلته يعتمدون على الفساد عن علم ودراية، طبعا لأنهم من المفسدين الأوائل ومؤسسي هيكل التخريب، ويعلمون علم اليقين مدى نجاعة ومضاء هذا السلاح. من هنا يستخدمون المفسدين، ومن سولت لهم نفوسهم الضعيفة بنهب خيرات البلاد، كقصف تمهيدي تعقبه الدبابة الأمريكية، فعلى كل الشرفاء التنبه والحذر. ولا يغتر أحد منكم أيها الفاسدون، صغاراً وكباراً، ولا تظنوا أن البلد المجهد قد سقط، لتشهروا سكاكينكم وتقصدوا الرقبة، وليعلم الجميع أن من يقارع الشعب لابد خاسر.
فلو استعرضنا القوتين المتصارعتين على السلطة، المتمثلتين بخدام وثلته من الفاسدين المتآمرين، من جهة، والقوة المتمثلة بالحكومة الحالية وممارساتها، لرأينا ما لا يروق لنا. فمنذ إطلاق حملة محاربة الفساد، واتباع نهج التطوير والتحديث، نمت بموازاة ذلك حملات الخصخصة، والإجهاز على القطاع العام، واستشراء الفساد والنهب، بدءا من بلدية الرصيف في محافظة حماه وانتهاء بوزارة النفط (وما نفطوا) منها، التي باتت قصتها معروفة للجميع، لأنها استهلكت من الحبر والورق على صفحات قاسيون، رغم تواضعه، أكثر من انتفاع فقراء البلد من نفطها.
أما بلدية الرصيف فقد سبق وكتُب عنها في مقال موجه للجهات الوصائية في المحافظة، وتناول مشروع الصرف الصحي وأحلامه السعيدة، التي حولها القائمون عليه إلى كوابيس، بعد سلبهم ما سلبوا. فذهب المشروع مع الريح، والذي راح راح، وعبّر عنه رجال القرية بضرب الراح بالراح، ونساؤها بلطم الخد بالراح، ولقد راحت هذه الملايين كما راحت سلام. وأرجو ألا يتعب أحد ذهنه بسلام فهي قد راحت، أما ما يستوجب التفكير فيه فهي تلك الأموال، كيف ولمن راحت؟. إن القساطل ردمت بالتراب والحجارة، وبعد حين رصفت بقليل من الحصى وكثير من بقايا المقالع (تراب وحصى)، حتى ارتفع سطح الطريق في أماكن كثيرة عن المستوي الأفقي المحدد، ولم يبق مجال لطبقة الإسفلت سوى 1-3 سم في غالبية مساحة سطح الحفريات. لتبقى طبقة الإسفلت رقيقة جداً، ولم يترك لها المتلاعبون السارقون من فاسدين ومفسدين سماكتها الحقيقية، فبدلاً من 10 سم، التي هي سماكة طبقة الإسفلت، تصبح من 1 إلى3 سم، وإذا كان متر الإسفلت ب2000 ل.س فهذا يعني أنه تمت سرقة من 70-90% من كمية الإسفلت، سيتقاضاها المتعهد وشركاؤه في البلدية المذكورة ومن وراءهم الذين يدافعون بشراسة عن هذا الفعل المشين. ولدى اعتراض أهل القرية على سوء التنفيذ، انبرى رئيس البلدية، وتوجه بكلام سيء إلى أهل القرية قائلاً: «انصرفوا من هنا وابتعدوا عن مكان العمل فهذه مهمتنا ونحن المسؤولين عن ذلك ولدينا من يحاسبنا». وحاول استفزاز أحد المواطنين، وكان قد فضح أمره، ليورطه بمشكلة ممانعة موظف عن تأدية عمله أثناء دوامه الرسمي. فعاد المواطن وامتص غضبه وأشار إلى أماكن الخلل وسوء التنفيذ، وقال لرئيس البلدية إن هذه الطبقة الرقيقة من الإسفلت لن تدوم أياماً. وبالفعل لم تمض سوى ساعات حتى تهالكت طبقة الإسفلت، وكاتب هذه الكلمات شاهد عيان. وكما علمنا من بعض الجهات إن الطريق المشار إليه سيعبّد من جديد، من إدارة الخدمات الفنية ليغطي كل عيوب التنفيذ. وبذلك ينجو المتعهد بفعلته، ويقبض الأموال من الخزينة العامة التي تدفع دون حساب. لكن السؤال: لمن نتوجه بالشكوى بعد الآن؟ فقد سبق وخاطبنا الجهات الوصائية بما يخص هذا المشروع بمراحله الأولى لكنها لم تحرك ساكنا، ربما لأن هذه الجهات لا تقرأ الصحف ولا تهمها أحوال الناس .
ما استغربه الحضور هو تنمر( أصحاب) البلدية والعصبية الملفتة للانتباه، غير أن هذا العجب لم يطل، فقد ذكرنا أحد الحضور بالمثل الشهير (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق ). إن سر هذا الفساد المستشري يكمن عند الشركاء، ذوي البطون الواسعة والدروج العميقة، حيث تطوى الملفات. فيا أيها الشرفاء في بلدنا انتبهوا لما يحاك ضدكم كي نتجاوز سلوك رد الفعل بالفعل المدروس .