كيف أصبحت شيوعيا
ضيف هذا العدد الرفيق بطرس نيقولا أبو شعر.
الرفيق أبو سليمان حدثنا ..كيف أصبحت شيوعيا؟.
أنا من مواليد دمشق باب توما عام 1929، وكان والدي يعمل بحياكة الحرير.. حصلت على الابتدائية من مدرسة الغسانية عام1940 ودرست في مدرسة الصناعة بخان البطيخ قرب ساحة الشهداء «المرجة» وتقدمت لفحص البروفيه دراسة حرة عام 1948 والبكالوريا عام 1950 بعدها مارست التعليم سنة ببلدة الشيخ مسكين بحوران وسنة ببلدة خربا بجبل العرب ,ثم التحقت بمعهد صناعة حلب - تصميم داخلي-معلم حرفة وحصلت على دبلوم خاص بمعلمي الحرف ثم عملت مدرسا في ثانويات حلب ثم حماة ثم دمشق حتى عام 1958 ثم سافرت إلى بلغاريا مدرسة حزبية وعدت إلى الوطن عام 1962.
بدأت بالتعرف على الشيوعية من الإذاعة ففي فترة الحرب العالمية الثانية,كان عندنا راديو كبير كنا نسمع منه إذاعة (هنا موسكو) التي تتحدث عن أخبار الحرب,وأيضا من خلال أحاديث ضيوفنا، وبشكل خاص الأخوين جورج ومتري الهامس اللذين كانا يزوران بيتنا بصورة دائمة, وكذلك عن طريق أبي الذي كان متعاطفا مع الشيوعيين وأذكر جيدا موافقته على طلب قريبنا الرفيق حنين شاغوري بإقامة احتفالهم في بيتنا، وكيف داهمت الشرطة البيت قبيل الاحتفال واعتقلت أبي الذي كان يتوكأ على عصا ليستطيع السير، فانتزعوا عصاه بمنظر شديد الإيلام, وحتى بعد وفاته بقي بيتنا منزلا للرفاق وكنت مع أمي وأخي جورج نستقبل الضيوف الوافدين ومنهم آغاباشي الحلبي وصوايا صوايا ونقولا شاوي وفرج الله الحلو وأرتين مادويان والبسطاوي والنمر وغيرهم, يضاف إلى ذلك دور مدرسة الصناعة حيث شكل الطلاب رابطة الشباب العربي لتقود إضرابات المدرسة, أذكر منهم عدنان الشربجي ومأمون الساطي, وقد ساعد كل ذلك على تعزيز حسنا الوطني, فكنا نقوم بمنع بائعي الخضروات من بيعها للعسكر الفرنسي, وقد قبض علينا ونحن نحمل السكاكين ,وكنت منظما في الكشافة وكان الكشافة يقومون بحراسة الأسواق العامة من السرقات واللصوص, وأتذكر أنني كنت في مركز الكشافة مقابل مستشفى الطلياني عندما وقع العدوان الفرنسي ومذبحة البرلمان في 29 أيار عام 1945, وعدت لبيتي عن طريق البساتين, ومن تلك الأيام كنت وأخي جورج مهيئين لملاقاة التنظيم بدافع الوطنية ومحاربة الظلم والاستغلال وفي سبيل الاشتراكية, وفي حلب تعرفت على الرفاق مصطفى البدوي ورشيد الذي يرتدي الطربوش، وانتسبت للحزب ومعهم شكلنا فرقة مهمتها العمل بين المعلمين ,وفي حماة شاركت في إعادة بناء المنظمة وهناك أرسلوا لي رفيق رضا (رأفت) ليساعد في العمل وسكن معي وعاش على حسابي لمدة ستة أشهر ولاقيت الأمرين في التعامل معه, وبعد سقوط حكم الشيشكلي استأجرت بيتا آخر وقلت له: «استأجرت هذا البيت لتسكن فيه (حل عن ربي)»، لكن ذلك لم يعجبه لأنه يريد أن يبقى عندي لأصرف عليه!!!
(الجميع اليوم يعرفون قصة هذا اللغم المموه)، وشتان بينه وبين الرفاق الحقيقيين أمثال أسعد الخوري «أبو ماجد» الذي شاهدته بعينيّ في إحدى المظاهرات أمام سينما الأهرام (روكسي)، وهو يتسلق سيارة الجيب للشرطة العسكرية التي اخترقت صفوف المتظاهرين، وكيف كان يسحبهم من مقاعدهم ويرمي بهم إلى الشارع, وكيف تشبث السائق بمقود السيارة ليحمي نفسه, ثم تكاثر عليه عناصر الشرطة العسكرية واعتقلوه وأوسعوه ضربا مبرحا.
ومن ذكريات تلك الأيام ذكرى المظاهرات التي اشتركت فيها بشكل فردي خلال مجيئي لدمشق أيام العطلة, رغم عدم تكليفي كوني من منظمة حلب أو حماة, وفي عام 1955 استدعيت إلى مكتب الحزب في منطقة المزرعة لنتبلغ قرار القيادة بتشكيل لجنة منطقية لدمشق مكونة من تسعة رفاق أذكر منهم إبراهيم بكري وخليل حريرة وعبد الكريم محلمي ولطفي آله رشي وفخري رمضان,ووزعت المهام بيننا وتوليت مهمة سكرتير لجنة الفلاحين التي غطى عملها كل ريف دمشق وانطلقت نشاطات المنطقية النوعية والهامة على كل الأصعدة، ثم كلفت بقيادة منظمة حي الميدان واستطعت بمساهمة بعض الرفاق من المعلمين من أبناء الحي تطوير المنظمة نوعا وعددا، وبقيت سرية خلال عهد الوحدة, وفي عام 1957 كلفت بمهمة إعادة تشكيل منظمة اللاذقية التي جرى حلها بعد أن شقها إلياس مرقص, كما اشتركت بمهرجان الشباب الديمقراطي العالمي في موسكو, وفي أوائل عهد الوحدة أبلغني الرفيق فرج الله قرار التحاقي بمدرسة حزبية في بلغاريا وسافرت مباشرة للدراسة, وعدت إلى الوطن عام 1962 حيث تم توقيفي ثلاثة أيام بالنظارة، وأسبوعا في مركز المخابرات, وهددت بالمزة إن لم أوقع على وثيقة التخلي عن الحزب، وطبعا رفضت الطلب، ومن ثم أطلق سراحي. وتابعت مهماتي الحزبية حتى أواسط الثمانينات وبعد الانقسام الحزبي بقيت ملتزما بتنظيم الرفيق يوسف فيصل, ومن سنوات قليلة تركت التنظيم. ولم أترك الفكر.
واليوم أقول بكل ثقة وقناعة: إنني مؤمن بالماركسية التي تعبر عن أسمى صور الحرية والديمقراطية, وأعتقد أنها الوحيدة التي دعت إلى العولمة الإنسانية عندما رفعت شعار يا عمال العالم ويا أيتها الشعوب المضطهدة اتحدوا,وأستغرب كيف لا يكون في برنامج الشيوعيين هدف الوصول إلى السلطة,وبالنسبة لي فخلاصة القول عندي أنني أعتبر أن المحك الحقيقي لمكانة أي رفيق هو نضاله وسلوكه الشيوعي وعدد من نسبهم للحزب, وليس المزاودات والادعاءات الفارغة.
أحيي الرفاق الشيوعيين, وأتمنى للجميع النجاح في العمل لخير وسعادة شعبنا ووطننا..