كابوس المفاضلة... وشبح البطالة بعد التخرج قناصة لاغتيال الأحلام
على مفترق طرق، ما تبقى من أيام سيحدد المصير، إما الراحة والأمان في الحياة أو الشقاء والتعب.. بمثل هذه العبارات يصف الطلاب و ذووهم هنا في سورية «الثانوية العامة»، وعلى الرغم من نسبية تلك المعايير إلا أنها تعكس وبوضوح مدى أهمية هذه المرحلة ومدى التوتر والإرهاق اللذين يسبقانها ويرافقانها حتى ظهور معدلات القبول الجامعي.. وعلى الرغم من الانتقادات الكثيرة للمناهج التعليمية في الجامعات السورية وعدم التجديد وبعث روح مغايرة تقارب متطلبات العصر الراهن، إلا أن الدراسة الجامعية ما تزال رغبة قوية وجامحة لقطاعات كبيرة من المجتمع السوري.. رغبة يبدو أن القائمين على صياغة وإعداد معدلات القبول «المفاضلة» كما تسمى، لم تعد تعجبهم كثيرا، فما انفكوا خلال أعوام مضت من رفعها بطريقة أثارت وتثير استياء واستغراب الكثيرين، ومجموعة من الأسئلة لا تنتهي عن الأسباب والمعايير المتبعة في تلك الصياغة، خاصة وأن هذا الارتفاع في المعدلات لم يصاحبه حتى الآن أي تحسين فيما يتعلق بالتعليم العالي في سورية؟ الاختصاصات كما هي.. المناهج ربما أدخلت عليها بعض التعديلات الطفيفة.. والكادر التدريسي إن يكن يتغير إلا أن الذهنية ما تزال كما هي.
فما الذي نحتاجه للارتقاء بقضية التعليم العالي في هذا البلد؟ وماذا عن احتياجات سوق العمل وربطها بطريقة أو بأخرى بتخصصات الدراسة الجامعية؟ وأسئلة غيرها تلح وبقوة تبقى معلقة دون إجابة.
ارتفاع المعدلات مستمر.. التوتر هو سيد الحال..
لا شك أن أعداد الطلاب ازدادت بشكل مطرد خلال الأعوام الماضية، ولكن هل يمكن أن يكون ذلك مبررا كافيا للتضخيم المستمر في معدلات القبول الجامعي؟
هل توضع المعدلات بناء على نسبة النجاح أم على نسبة المعدلات؟ إن كانت وفقا لنسب النجاح، فلا أحد ينكر ارتفاع النسبة بين عام وآخر، إلا أنها لا تؤثر على المعدلات، أما إذا كانت على أساس معدلات النجاح، فلا يوجد ذلك الارتفاع الذي يوجب بالتالي رفع معدلات القبول. وعليه لا نرى مبررا لهذا الارتفاع الذي نراه في المفاضلة الجامعية، أو فلتتفضل الجهات المعنية وتوضح لنا مبرراتها..
السيد كرم، من دورة 2007 حدثنا عن موضوع المفاضلة بالقول: إن أهم ما يميز فترة الثانوية العامة من بداية العام الدراسي وحتى نهايته، هو التوتر الذي يسيطر عليك، كثير من الأسئلة تستفزك وتضغط على تفكيرك. ترى هل سأتمكن من النجاح؟ وأن نجحت، هل سيخولني مجموعي الدخول في فرع «محترم» في الجامعة؟ هذا عدا عن الأسئلة المتعلقة بردة فعل الأهل والمجتمع فيما إذا كان الفشل هو النتيجة...
كل ذلك يهون أمام اللحظة التي يتم فيها الإعلان عن المفاضلة.. صدقني في تلك اللحظة الزمان يتوقف.. ضربات القلب تتسارع.. وتتمنى لو أنك أصلا لم تصل إلى هذه المرحلة!! ذلك أن مصيرك ومستقبلك معلق برقم.. والأهم من كل ذلك أنك أمام ما تسمعه ممن سبقوك إلى الجامعة، حيث الحديث المتكرر عن المعاناة، لتجد نفسك مضطراً للسؤال: هل الآتي يستحق هذه المعاناة؟ لست متأكدا..
ضياء، أيضا من دورة هذا العام يقول: حقيقة، هذا العام انتابني شعور وكأني في ساحة حرب الجميع يحاصروك ويطاردوك بتعبيرات مثل مصيرك سوف يتحدد بناء على نتيجة الامتحان.. إن لم تنجح مستقبلك مهدد بالضياع.. ربما يكون للأهل مبرراتهم، إلا أننا فعلا أصغر من هذه المسائل.. لا أعتقد أنه في استطاعتي تحمل كل هذه المسؤولية.. طوال العام وأنا أعتقد أن علي الدراسة، وبعد صدور النتيجة أسجل في الفرع الذي يتناسب مع مجموعي إلا أن الأمر أصعب وأعقد من ذلك بكثير.
بناء على المجموع الذي حصلت عليه سجلت معهد تجاري وأتمنى ألا ترتفع المعدلات كثيرا حتى لا «يضيع مستقبلي» على رأي عائلتي.؟
السيدة نجوى والدة لطالب في الثانوية العامة: مرحلة البكالوريا هي مرحلة رعب بامتياز تتوقف حياة الأسرة كلها تقريباً، ودون مبالغة حتى يتخطى أحد أفرادها هذه العقبة المسماة الثانوية العامة، وأكثر ما يرعب في الموضوع أن يضيع مستقبل ابنك أو تضطر لإدخاله فرعا لا يحبه بسبب لعبة الأرقام والقائمين عليها؟ أصبحنا بحاجة ملحة إلى توضيح مقنع لهذا الارتفاع «المخيف» في المعدلات؟ وأنا أعتقد أنه لا مبرر لدى هؤلاء سوى «تطفيش» الشباب عن الدراسة، فلو كانت الجهات المعنية حريصة على مستقبل أبنائنا، وبالتالي على مستقبل هذا الوطن، لما وصلنا إلى هنا، على الأقل لكانوا تصرفوا بشكل أكثر منطقية بعيدا عن هذا المنطق التعسفي الذي لم أستطع إيجاد ما يبرره.
حديث ينم عن سخط واستياء من معدلات لا تنصف مستقبل الشباب ومصير وطن بات ينفر أبناؤه من الدراسة لصالح القائمين على لعبة الأرقام كما سموها دون أي منطق أو توضيح منطقي على الأقل، وإن كان هذا حال من ينتظر الفرصة لدخول كلية أو معهد، ترى ما هي حال أولئك الذين تخطوا هذه العقبة، وباتوا الآن في إحدى هذه الجامعات على اختلاف فروعها واختصاصاتها؟؟ هل لامس الواقع تلك الأحلام الجامحة والمكتنزة قبل وأثناء الدراسة الجامعية؟ هل قاربت هذه الدراسة التصورات عن المستقبل؟ أم أن الواقع دائما بعيد كل البعد عن الأحلام؟؟
بعد سنوات الدراسة «البطالة مصير شبه محتوم»!!
السيد محمد جاموس خريج اقتصاد أجاب عن أسئلتنا بالقول: ربما تكون السنة الأولى هي الأجمل باعتبارها تبقى مفعمة بالأحلام التي نحملها معنا والتصورات عن مستقبل أفضل من الحاضر الذي نعيشه، وعن التغيرات التي سندخلها إلى حياتنا ولكن سرعان ما تتلاشى الأحلام أمام الواقع المليء بالقسوة، والذي لا يرتبط بأية صلة بأحلامنا العريضة. شيئاً فشيئاً تكتشف مدى صعوبة الحياة وضغوطاتها، تسأل نفسك عن فرصة العمل التي ستجدها والأقرب إلى الحقيقة أنك لن تجدها، وهل ستعمل في اختصاصك أم أنك سترضى بأي فرصة عمل تتعثر بها وانتهى الموضوع؟؟ باختصار الجامعة هي مرحلة انتقالية تهيئك لمرحلة أخرى لا علاقة لها بالأحلام والرؤى والأفكار التي كثيرا ما تحملها لإشاعة التغيير على المستوى الشخصي والمجتمعي، كل ذلك يتبخر، فالجامعة كما قلت سابقا، مرحلة انتقالية تغرقك حتى أخمص أذنيك بواقع قاس قاتم، وكل ما يستحوذ على تفكيرك هو الحصول على فرصة عمل إذ تتحول هذه القضية إلى أزمة حقيقية ترهق تفكيرك وتستنزف قواك الفكرية والجسدية.
أما فراس خريج كلية الإعلام، فيحدثنا عن المعاناة ما بعد التخرج بقوله: العثور على فرصة عمل بعد التخرج من الجامعة هو حلم آخر، خاصة إذا أردت العمل باختصاصك، فهذا أمر يقارب المستحيل، فعند دخولي الجامعة كانت أحلامي عريضة، والأفكار والقناعات التي حملتها كان لها أبعادها الإنسانية والاجتماعية، ومع الأيام أدركت أن الواقع يختلف عن كل ما أحمله من تصورات، الآن تخرجت ولم أجد أي فرصة عمل لا باختصاصي ولا بغيره، وبعد محاولات كثيرة، صدقاً شعرت بالإحباط، فقررت الالتحاق بالخدمة العسكرية، وها أنا الآن عسكري بعد كل المعاناة و«الإذلال»! نعم صدقني الإذلال الذي تعرضت له أثناء الدراسة شديد الوطأة، فقسمنا حدث ولا حرج.. لا أدري على من نلقي باللائمة، ولكن باعتقادي أننا أصبحنا وهذا الوطن ضحايا سوء الإدارة والتخطيط الحكومي لا أكثر.. أو ربما لضيق مساحة اختياراتنا لا أدري؟؟ ويبقى بالنسبة لي السؤال ملحا؟ هل سأتمكن من إيجاد فرصة عمل بعد انتهاء فترة الخدمة الإلزامية؟؟
أما لما، وهي طالبة في السنة الرابعة أدب إنكليزي، فقد عبرت عن رأيها في السياق نفسه قائلة: الأحلام لا علاقة لها بالحياة.. الأحلام أثناء الدراسة الجامعية وبعدها محدودة الأبعاد، وكل ما يخص الأفكار والرؤى والتقديرات هو حديث من زمن آخر.. أما بالنسبة للعمل ما بعد التخرج فقد يكون الأمر بالنسبة لي كأنثى اقل صعوبة من زملائي الشباب، حيث تشغيل «الصبايا» موضة هذا الزمن.. وهذا ليس من باب الاحترام والتقدير للمرأة، إطلاقا، بل من قبيل قناعات باتت تعصف بمجتمعنا وقائمة على أن الأنثى أكثر جذبا للزبائن من الشباب، بمعنى أوضح، إنه «تسليع» للمرأة بطريقة أو بأخرى، وعلى هذا ربما تكون سببا في زيادة نسب البطالة في الأوساط الشبابية. وتسارع مستدركة: نحن جميعا في الأمر سيان، وفي المحصلة لسنا المسؤولين، منظومة قيمنا بالكامل تعرضت للتهشيم، وبتنا بحاجة ماسة للترميم، ولا أدري فيما إذا كان الوقت مازال يسعفنا. لم يعد مهما من هو المسؤول، فالأهم أن يبادر الجميع وكل من موقعه لإيجاد الحلول الشافية، والجهات المعنية إذا كانت تقر بخطر المشكلة لما هذه اللامبالاة أو أقله هذا التباطؤ في مواجهة المشكلة؟.
الهوة بين الأحلام والواقع أسئلة مريرة
إذا أضحى حديث الأحلام من زمن غابر لا يمت إلى الواقع المعاش بصلة، فأزمة البطالة وخاصة بين حملة الشهادات الجامعية إلى استفحال، رغم التغني صباح مساء بنسب الزيادة الكبيرة في معدلات النمو الاقتصادي. فإلى متى التعتيم وعدم الشفافية في التصدي للمشكلة من الجهات المعنية؟ هل لنا أن نأمل بحلول مجدية في المستقبل القريب والعاجل بعيدا عن التنظير والندوات والتصريحات المنمقة والتعابير اللفظية المنتقاة بعناية؟ وهل تملك الجهات المعنية تصورات وخططاً علمية وعملية للخروج من المأزق بتوفير فرص العمل للخريجيين؟ وماذا عن ربط التعليم بسوق العمل ومتطلباته؟ فهل بوصلتنا في الاتجاه الصحيح؟ وقبل هذا وذاك، ماذا عن الأسس التي تحدد معدلات القبول الجامعي؟ ألم تتوفر القناعة بعد بضرورة إعادة النظر والتطوير بما يخفف من رعب كابوسها؟ لا بل ألسنا بحاجة إلى نظام امتحاني عصري أكثر مرونة وتطورا للثانوية العامة، ينتهي التوتر والرعب المصاحب لما هو معمول به؟ وأسئلة كثيرة تلح علينا دفعتنا أن نطرق أبواب وزارة التعليم العالي، فتوجهنا إلى المكتب الصحفي بالوزارة الذي أحالنا إلى مكتب معاون الوزير لشؤون الطلاب الدكتور علي أبو زيد. كان الدكتور خارج مكتبه فتركنا له أسئلة مكتوبة عند السكرتيرة على أمل الحصول على إجابات في اليوم التالي، آمالنا ذهبت أدراج الرياح حيث أعلمتنا السكرتيرة بأن السيد معاون الوزير مشغول، ولم يتمكن من الإجابة على أسئلتنا، قاطعة علينا طريق العودة لانشغال الدكتور علي لفترة طويلة..
باختصار الانشغال منع الجهات المعنية من الإجابة على بضعة أسئلة، ربما كانت تزيل شيئا من لبس وغموض يكتنف مستقبل الكثير من شباب هذا الوطن.. هكذا وببساطة يتم طي الأحلام .... لا تندهشوا..
ابتسم يا وطن أصبحنا كما تريد أو كما أريد لك أن تريد، فلصالح من؟ أسئلتنا تجاوزناها، الأحلام أجلناها، فهل سيأتي يوم يلتفت فيه أحد المهتمين إن كان بقية من اهتمام، ويسأل أين أمست أحلام من كنت يوما في مثل عمر أحلامهم؟