أولى نتائج رفع الدعم.. نسف القطاع الزراعي!
ما إن تم إقرار السعر الجديد لمادة المازوت، حتى بادر أغلب الفلاحين والمزارعين إلى إيقاف العمل في مشاريع الزراعة المروية المعتمدة على الري من الآبار، وهي أغلبية المشاريع الزراعية في محافظة الحسكة، وذلك لأن السعر الجديد يرفع تكاليف الإنتاج ويؤدي إلى خسارة الفلاح، وهو قد أضاف تعقيدات جديدة إلى واقع هذا القطاع المنهك أصلا نتيجة السياسات الحكومية المتبعة في البلاد منذ أكثر من عقد من الزمن، وجاء رفع الدعم ليضيف واقعاً مأساوياً بكل المقاييس سواء من حيث توقيته أو من جهة رفع تكاليف الإنتاج التي وصلت إلى أبعد مما يمكن تصوره أو احتماله..
- فبالنسبة للتوقيت، جاء القرار الميمون في مرحلة حرجة بالنسبة لمحصول القمح وإكماله حتى نهاية الموسم، لأن الفلاح الذي سقى الأرض خلال الشهور الماضية اعتمادا على السعر القديم ما عاد باستطاعته إكمال السقاية بالسعر الجديد، فقد بات في حكم المستحيل أن يربح، مع العلم أن السقاية الأخيرة هي من أهم السقايات، وهي تؤثر على مستوى الإنتاج من حيث الكم والنوع، والفلاح في هذه الحالة بات بين خيارين أحلاهما مرّ، فإذا ترك محصوله دون السقاية الأخيرة سيخسر بالتأكيد للانخفاض الكبير الذي سيطرأ على كمية الإنتاج، وإذا استمر في السقاية أيضاً، سيخسر بعد الارتفاع الكبير للتكاليف حسب السعر الجديد للمازوت، فكلفة الهكتار الواحد للسقاية الواحدة أصبحت تتجاوز 10000 ليرة سورية، هذا عدا عن المصاريف الزراعية الأخرى.
- وبالنسبة لمحصول القطن، جاء القرار في توقيت حرج أيضاً، إذ أن اغلب الفلاحين كانوا قد باشروا بزراعة القطن وصرفوا مبالغ طائلة على الفلاحة والبذار والأسمدة، وحتى السقاية، وبعد قرار زيادة أسعار المازوت توقفت جميع الآبار التي تعمل بالديزل وهي الأغلبية الساحقة في المحافظة.
والسؤال الذي يجب الإجابة عليه هو ما نتائج ذلك؟ وما تداعياته العامة والخاصة؟
1 - باعتبار أن القمح يعتبر مادة إستراتيجية، فإن الخسارة هنا ليست خسارة الفلاحين فقط بل هي خسارة للبلاد والعباد، لأن خسارة الفلاح هي خسارة للدولة ولمعظم المواطنين، وعلى ما يبدو فإن هذه الحقيقة التي أدركها أحمد باشا الجزار والي عكا والذي ناطح نابليون قبل قرنين من الزمن يجهلها أصحاب القرار أو أنهم يتجاهلونها ويريدون خسارة الدولة، وإذا كان الأمر كذلك، وهذا ما نرجحه بصراحة، فإن القرار (رفع الدعم) هو استكمال لمشروع الانقضاض على دور الدولة في ظل السياسة الليبرالية التي يعبر عنها الفريق الاقتصادي. وبالتحليل المنطقي وبعيداً عن اتهام أحد بالمعنى الشخصي ترى الأغلبية الساحقة من الفلاحين أن هذا القرار من حيث توقيته ونتائجه، هو من الناحية الموضوعية استكمال لمشروع تغيير بنية البلاد والدولة باتجاه الفوضى.
2 - إن شل القطاع الزراعي يؤثر ليس على القطاع المعني فحسب، بل ستمتد نتائجه الكارثية على جميع القطاعات الأخرى، انطلاقاً من دور الزراعة في بنية الاقتصاد الوطني، فالملايين من العاملين في هذا القطاع حكماً سيضافون إلى جيش العاطلين عن العمل، وأغلب الورش المهنية التي تعمل في المحافظة سيصيبها الشلل أيضاً..
3 - سيضيف هذا الواقع معاناة جديدة إلى واقع الثروة الحيوانية المهددة بالانقراض أصلاً، إذ أن هذه المحاصيل هي المصدر الأساسي للأعلاف.
4 - زيادة أسعار مواد الاستهلاك الشعبي كالخضروات وغيرها بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل.
5 - إن ضرب إنتاج القطن سيؤدي إلى توقف آلاف معامل وورش صناعة الحلج والغزل والنسيج والزيوت، وسينضم العاملون في هذه القطاعات إلى العاطلين عن العمل.
باختصار، إن دوامة رفع الدعم فتحت الأبواب على مصراعيها أمام أزمة شاملة في البلاد، وكل مشكلة ستجر وراءها مشكلة بل ومشاكل أخرى، ولا تنفع المعالجات الترقيعية، ولا إدارة الظهر للمشكلات، فالواقع طافح بالتناقضات، والقوانين الموضوعية التي تنظم شبكة العلاقات الاجتماعية ستفعل فعلها شاء من شاء، وأبى من أبى، وهنا نسجل بالتقدير كل أشكال الاحتجاجات التي عبر عنها الإخوة الفلاحون في المحافظة، والتي تعبر عن شعور عال بالمسؤولية، آملين وطالبين وساعين أن تلقى تجاوباً من كل القوى الشريفة في البلاد، وتكون رافعة لمواجهة السياسات الليبرالية، وقوى النهب والفساد، لأن في ذلك ضرورة تاريخية ليس للحفاظ على مصالح شعبنا المباشرة فقط، بل لمواجهة مخاطر المشاريع الأمريكية والصهيونية التي تهدد الكيان الوطني والوحدة الوطنية.