إذا زلزلت الحكومة زلزالها.. سهل الغاب.. أضرار كبيرة وأخطار محدقة بالمحاصيل الاستراتيجية
الجنون الذي أصاب البلاد طولاً وعرضاً بعد صفعة رفع الدعم التي تلقتها الجماهير في وقتٍ كان يستعد معظم أبنائها للاحتفال بالأول من أيار عيد العمال العالمي، كان لا يوصف، وقد طال كل ما له سعر وقيمة، كما طال الناس الذين كادوا يفقدون صوابهم وصبرهم، بعد أن فقدوا الكثير من أسباب ومتطلبات معيشتهم..كرامتهم.
قرار رفع الدعم جاء كإعلان سافر ونهائي من الفريق الاقتصادي عن تناقض وتضارب مصالحه مع مصالح الجماهير الشعبية، ومع مصالح الوطن، فقد ضرب بزلزاله الليبرالي كل أوردة وشرايين البلاد، وتسبب بفوضى عارمة في كل محافظاتها ومدنها، ولوهلة بدت سورية بكل فعالياتها وعلاقاتها الاجتماعية - الاقتصادية - الأخلاقية، بلا نظام، وأنه ليس هناك قانون ينظم علاقات أفرادها سواء في قضايا البيع والشراء، أو النقل، أو الخبز، وغيرها وغيرها.. حتى حسب المواطن المحكوم بحاجاته الأساسية أن القيامة قد قامت فعلاً..
ولعل أول من تأثر بالقرارات الحكومية المفاجئة كان صغار الفلاحين الذين لم تكن أحوالهم بخير قبل رفع الدعم، فكيف وقد رفع آخر ظلٍ للحكومة عن أجسادهم المكتوية بلهيب الفقر وجحيم الأسعار ونار الجفاف الذي لم يصب حقولهم وماشيتهم وحسب، بل إنه امتد ليتلف أرواحهم المتعطشة لمعيشة أفضل.. ففور انتشار خبر رفع الدعم شلت الحياة الزراعية على امتداد البلاد، وسنسوق هنا مثالاً واحداً من منطقة واحدة.
سهل الغاب نموذجاً
يعد سهل الغاب وامتداداته من أهم المناطق الزراعية في سورية، وهو يساهم بصورة كبيرة في إنتاج محاصيل استراتيجية كالقطن والقمح والشوندر السكري، وما إن فاحت رائحة رفع الدعم حتى تضاعفت مرات عدة الأسعار والأجور والكلف الزراعية فيه كافة.
فعلى صعيد الري ارتفعت تكاليف السقاية من الآبار الارتوازية لساعة الضخ الواحدة من 350 ـ 400 ل.س إلى 650 ـ 700ل.س، أما تكلفة الري العادية، فبعد أن كانت أجرة الضخ لساعة واحدة 200 ـ 250ل.س أصبحت بعد رفع الدعم تكلف من 450 ـ 500ل.س، مع العلم أن الري في سهل الغاب، وتحديداً في مشاريع تطوير الغاب يعتمد بنسبة 80 % على الري عبر الضخ.
من جهة ثانية ارتفعت أجور العمال الزراعيين الذين يعملون في التعشيب والسقي والحصاد والقطاف وغيرها، من 125 ل.س/4 ساعات، إلى 200 ل.س/4 ساعات.
كما ارتفعت أجرة حراثة الأرض من 150 ل.س/دونم إلى 300 ل.س/دونم.
أما أكبر الكوارث فقد كان مسرحها حقول القطن، حيث لجأ العديد من الفلاحين الذين اكتشفوا فجأة أنهم لن يقووا على تأمين السقاية الأخيرة للمحصول وفق الأسعار الجديدة، إلى حراثة أرضهم وإتلاف محصولهم لزراعته بمحاصيل لا تحتاج إلى ريّ كثير «كالجبس» مثلاً، وهذا سيكون له انعكاسات في غاية الخطورة ليس على مستوى الغاب، فقط وإنما على مستوى وكميات القطن المنتجة في سورية بشكل عام.
يذكر أن العديد من المسامك الكبيرة في الغاب، ذات الأحواض الضخمة التي تضم أعداداً هائلة من فراخ الأسماك أعلنت بدورها توقفها عن العمل بسبب ارتفاع تكاليف التخديم، وهذا سيتسبب بخسارات كبيرة في الثروة السمكية، وسيدفع العديد من العاملين فيها إلى البطالة أو إلى مهن أخرى لا تقل بؤساً وتضرراً
النقل أيضاً..
ارتفعت أجور النقل في محافظة حماة بشكل كبير بعد حلول الكارثة، فقد وصلت أجرة النقل العادي بين السقيلبية وحماة إلى 40 ل.س للراكب الواحد بعد أن كانت سابقاً محددة بـ18 ل.س، علماً أن المسافة بينهما لا تتجاوز الـ50كم.
كذلك ارتفعت الأجرة بين السقيلبية ودمشق «260كم» من 110ل.س إلى 200ل.س ومن السقيلبية إلى حلب «140كم» من 75ل.س إلى 140ل.س، تقبض فعلياً 150 ل.س بشكل فاقع.
أما نقل مواد البناء (رمل ـ بحص ـ صخر)، فقد ارتفع سعر النقلة الواحدة «10م2» التي يتم إحضارها من حماة إلى السقيلبية من 2000ل.س إلى 5500ل.س، ورغم هذا الارتفاع الكبير إلا أن أصحاب المقالع بدوا غير راضين، وهم يطالبون برفع أجرة النقلة الواحدة إلى 6000 ل.س على الأقل نظراً لارتفاع تكاليف الاستخراج.
وقد علمت قاسيون أن هنالك العديد من معامل البلوك قد توقفت عن العمل منذ إقرار رفع الدعم، وهذا ينطبق على العديد من الشاحنات العاملة في هذا المضمار.