المدارس الخاصة أبوابها مفتوحة في وجه الطلاب الراسبين فقط

قرأت منذ فترة مقالاً على أحد مواقع شبكة الانترنت، عن تصريح متفائل لوزير التربية السوري، الدكتور علي سعد، فحواه أن إحدى المنظمات العالمية صرحت بأن سورية تمتلك مناهج مدرسية ممتازة، وتعمل على تطويرها لتصبح أفضل المناهج المدرسية، على مستوى العالم.

وهذا ما يجعل المواطن السوري العادي يبتهج لسماع هذا الامتياز، أما المواطن غير العادي «وأعني بالمواطن غير العادي ذلك الذي يفكر في معنى هذا الكلام قبل الابتهاج» يرى أن هذا الكلام يحمل بين طياته الكثير من المشاكل التي سيواجهها طالبنا، الذي نُعدُّه كي يكمل المسيرة بعدنا في البناء والتطوير والتحديث.

دعونا الآن نتشارك في مناقشة تطوير منهاج مادة من المواد العلمية، والتي ستكون محور كلامنا، ألا وهي مادة الرياضيات.

منذ أكثر من أربع سنوات، قامت مجموعة من الأساتذة والمتخصصين بدرجات علمية عالية، بوضع منهاج جديد لمادة الرياضيات، ابتداءً من الصف الأول الثانوي. وفي مقدمة العاملين بهذا الكتاب، الأستاذ يشوع اسحق، الدكتور عمران توبا، والدكتور نبيه عودة، ومجموعة من المؤلفين الواردة أسماؤهم على غلاف كتاب الرياضيات للصف الأول الثانوي، من أهم ميزات هذا الكتاب أنه اُستخدم فيه بدل الرموز العربية، رموز الاتينية وبدلَ الأرقام الهندية المألوفة أرقام عربية، وللأمانة، كان هذا الكتاب ممتازاً من جميع النواحي، ومواكباً لأهم القضايا العلمية الآنية، المطروحة حالياً، فأغلب مواضيع الكتاب مترجمة من كتب أجنبية متخصصة، وخاصة الفرنسية منها.

وتتدرج صعوبة البحث مع مرور تدريس الكتاب، وأيضاً بالمصداقية وبالمصداقية فقط.

أبحاث الكتاب ممتازة، وتؤدي الغرض المطلوب إذا درّست كما هي ضمن الخطة التدريسية.

لكن مع مرور الوقت بدأنا نلاحظ أن الوزارة قد أغفلت، بعض النقاط الهامة.

- هل تملك الوزارة الكادر التدريسي الذي يصلح لإعطاء أبحاث الكتاب وبشكل مقنع؟ وإذا توفر هذا الكادر في إحدى المحافظات، فهل هو أيضاً متوفر في محافظات أخرى (كالشرقية مثلاً)؟.

- هل راعت الوزارة مستويات الطلاب الذين انتقلوا على سبيل المثال إلى المرحلة الثانوية بعد تحصيلهم 140 درجة من أصل 290 درجة وفي هذه الحالة قد لا تتجاوز علامة الطالب في مادة الرياضيات نصف العلامات المقررة. وقد يكون راسباً في اللغة الانكليزية مثلاً، ويلفظ الحرف (S) سين.

- هل الساعات المخصصة لمادة الرياضيات أسبوعياً تكفي لإنهاء هذا المنهاج؟ (إنها فقط أربع ساعات أسبوعياً بالنسبة لمادة الرياضيات في الصف الأول الثانوي).

طبعاً، في الأعوام اللاحقة، فوجئنا أن هناك تعديلاً قد طرأ على الكتاب، هذا التعديل يقضي بحذف بعض الأبحاث وجعلها للمطالعة فقط، وحذف بعض المسائل من أبحاث بقيت، ولكن قد تغير ترتيبها.

وحتى في ظل هذه الحذوفات بقيت الشكاوى من المدرسين حول ضخامة المنهاج وعدم كفاية الحصص المدرسية المخصصة لإنهائه في الوقت المطلوب.

وبما أن تغيير منهاج الصف الأول الثانوي يستدعي في السنة اللاحقة تغيير منهاج الصف الثاني الثانوي قامت الوزارة فعلاً بهذا التغيير لكن المفاجئ كان عدم وجود أسماء الأساتذة السابقة التي كانت قد عدلت منهاج الأول الثانوي وظهرت بعض الشائعات التي مفادها بأن الوزارة على خلاف مع هؤلاء المؤلفين، وذلك ما دعا الوزارة إلى تشكيل لجان جديدة قامت بوضع المنهاج الجديد للصف الثاني الثانوي العلمي.

ومن المفاجئ أيضاً كون الكتب الجديدة، هي دمج لأبحاث كتب الصف الأول الثانوي والثاني الثانوي القديمة، وعدم وجود تغيير جذري في الكتب، سوى استخدام الأحرف اللاتينية، أي وقف تطوير الكتب بتوقف المؤلفين القدماء عن العمل.

طبعاً، نحن لا نقصد الإساءة للمؤلفين الجدد، فمنهم من أساتذتنا القديرين، ونحن نشكر جهودهم البناءة التي يقدمونها، لكن يبقى باعتقادنا أن التغيير كان يجب أن يتخذ الخط نفسه الذي اتُّبع في كتاب الصف الأول الثانوي وعدم العودة للمواضيع القديمة.

وأيضاً، ومرة أخرى، يُفاجأ المدرسون بأن عدد الحصص الدرسية غير كافٍ لإنهاء المنهاج بالشكل الملائم.

نصل الآن إلى آخر تغيير، وهو التغيير الذي طال كتب الثالث الثانوي العلمي، وبالطريقة نفسها حيث تم التغيير بالنسبة للرموز وبإضافة بعض الأبحاث التي كانت قد حذفت في مناهج قديمة، أو تبديل مواضع بعض الأبحاث وترتيبها، ولا نريد الخوض في تفاصيل التغيير، لكن الكارثة تكمن في أن الطالب الراسب في السنة الماضية سيعيد الدراسة في المدارس الحكومية بشرط أن يقوم بدراسة المنهاج الجديد.

أي لا يحق للطالب الراسب في الثالث الثانوي دراسة المنهاج القديم ضمن مدرسته، ويجب عليه التقيد بالمنهاج الجديد، وإلا، فليذهب وليقدم طلباً إلى دائرة الامتحانات، كطالب حر، كي يحق له التقدم للامتحان وفق المنهاج الذي تعلمه سابقاً.

وكأن الوزارة تقول لطالبنا الراسب: اذهب! فأبواب المدارس الخاصة مفتوحة أمامك ونسيت أنها مسؤولة فعلياً عن الطلاب الراسبين.

وهنا نتساءل: ماذا بالنسبة للطلاب الذين هم من عائلات ذات دخل محدود؟! ماذا سيكون مصيرهم؟ وهل ستعوضهم الوزارة، وترفع قسط المدارس الخاصة عنهم؟! أم أنها ستدفع أجور الدروس الخاصة عند مدرسي مادة الرياضيات الذين أصبحوا من التجار؟؟؟