«مكافحة» العاطلين عن العمل.. لماذا تعملون؟!
يلجأ بعض العاطلين عن العمل (مضطرين) إلى افتراش الأرصفة ببسطاتهم المتواضعة بغية كسب لقمة عيش شريفة تبعد عنهم وأبناءهم مدّ الأيدي طلباً لمعونة من لا يعين، لكنّ هذا اللجوء المؤقت إلى زوايا الشوارع يجعل منهم هدفاً لحملات المكافحة، والتي تبدو وكأنها الانعكاس العملي الوحيد لشعار «مكافحة البطالة» الذي تتغنى به الجهات المسؤولة منذ سنوات!.. فمع ضعف الآليات والخطط التي تزعم الحكومة بأنها تتبناها لرفد السوق بفرص عمل حقيقية لاحتواء أبناء الوطن (أكاديميين ومهنيين، شبّاناً كانوا أم معيلي أسر)، ومع تزايد تأثير الطغم المالية وتمركز رؤوس الأموال في يد قلّة قليلة من التجّار وأشباههم، بات من اللازم إعادة النظر في النتائج التي أدى إليها التغاضي عن القضايا الملحة في الشارع السوري، وإلا... فإن تفاقم الأزمات الاقتصادية ـ الاجتماعية وما تنذر به سيكون شديد البأس على السكان وعلى البلاد كلها بطبيعة الحال.
لم يعد يخفى على أحد أن معدلات البطالة ذاهبة إلى ازدياد يتناسب عكساً مع نمو الاقتصاد الوطني، وطرداً مع ازدياد السكان وارتفاع أعداد خريجي الجامعات والمعاهد التعليمية على اختلاف اختصاصاتها، ولم يلحظ أحد سوى شكل وحيد لنمو الاقتصاد السوري (الوهمي) هو الشكل الطفيلي غير المنتج المتجسد بالـ«المولات» التجارية التي تعمل عمل الإسفنج في امتصاص الأموال من أيدي الناس، مروراً بشركات تحويل هذه الأموال (الممصوصة) خارج البلاد للاستفادة منها بمشاريع غيرنا أو مراكمتها بغير (طعمة)، ثم بالمصارف التي (تستعير) أموال المواطنين للمقامرة بها في أسواق البورصات المالية العالمية دون أي مشروع إعماري أو إنشائي يذكر في صفحات البنية الاقتصادية الوطنية، وليس انتهاءً بنوادي السهر الليلي الهادفة بكل فخر (لإمتاع الطغم المالية ومن لفّ لفّها) وتعزيز الفرز الطبقي، ومطاعم ذات أصول وفروع دولية همّها (إشباع بطون بلا عقول وملء جيوب بلا قرار)، وخلاف ذلك من مشاريع وسفاسف محبطة لا جدوى منها.. ومن المتجاهل (للأسف) أن لما سبق الكثير من الآثار السلبية على بنية المجتمع السوري، خاصةً قطاع الشباب فيه، إذ أن تدمير الشعوب يبدأ بإفقارها وتهميش شبابها وإبعادهم عن المساهمة في تحريك عجلة اقتصاد بلادهم، فأين هي خطط الحكومة الحقيقية لدرء مخاطر البطالة، أم أنها ستكتفي بمكافحة العاطلين عن العمل بدل مكافحة بطالتهم؟! وما هي التهمة التي سيوجهها الشرطي عندما ينصب كميناً للالتقاط الباعة المتناثرين على الأرصفة؟! هل سيسألهم: لماذا تعملون؟!
لم يبقَ أمام الشباب السوري من حلّ سوى افتراش الشوارع نفسها وإعلان رفضهم لهكذا سياسات تتجاهل وجودهم وتهمّشهم إلى هذا الحدّ، فبذلك ربما يتحقق التوازن الاجتماعي الذي سيخلق بدوره تواؤماً وطنياً سليماً، ويبعد عنا جميعاً ما يلوح في الأفق من أخطار باتت وشيكةً وتحتاج منا ثبات الأرض تحت أقدامنا، وثبات شبابنا في خندق الدفاع عن الوطن.. ونذكّر، بأنه لم يعد هناك مساحة لممارسة المناورات الاقتصادية على حساب الوطن وشبابه، فالوقت شديد الضيق والقادم جدّ كبير..
يكفي مواراة ولنواجه مشاكلنا قبل فوات الأوان..