كيف أصبحت شيوعياً ؟

أعزاءنا القراء، كل عام وأنتم بخير...بداية لا بد من مقدمة صغيرة حول معلومة تفيد الأصدقاء وتهمّ الرفاق، جاءت نتيجة استطلاع أجريناه مع عدد كبير ممن تركوا التنظيمات الحزبية، تضمن السؤال التالي:

هل تركت التنظيم، أم تركت الشيوعية؟!.. وكانت الإجابات كما يلي:

90 % قالوا: لم ولن نترك الشيوعية بل تركنا التنظيم، وشرحوا الأسباب. 3 % قالوا: تركنا كل شيء، و7 % اعتذروا عن الإجابة دون شرح الأسباب!.

وعليه، فإن المسألة الأهم تبقى: «كيف السبيل إلى عودة التاركين؟» وهذا ما تحاول زاويتنا المساهمة في الوصول إليه عبر اللقاءات التي تجريها مع ضيوفها، وضيف عددنا اليوم الرفيق القديم عبد الله إبراهيم.

 الرفيق المحترم أبو عثمان حدثنا كيف أصبحت شيوعياً؟

 أحييكم أيها الرفاق، وأشكر صحيفة قاسيون على اهتمامها الواضح بالرفاق القدامى. أنا من مواليد قرية الكفرون عام 1931، من عائلة فلاحية فقيرة، يعمل معيلها في طاحونة تدار بقوة المياه، وكما هو معروف، فالكفرون حينها كانت متقدمة على الجوار في ميدان التعليم والزراعة. درست الابتدائية في بلدتي، ثم تابعت التحصيل المدرسي إلى جانب العمل، ونلت الشهادة الثانوية في مدينة دمشق عام 1956. تعرفت على الحزب لأول مرة بداية عام 1945، حين كان مزارعو القرية يحتفلون بعيد العمال العالمي في الأول من أيار. ومن ثم في عيد الجلاء عامي 46 و47، كنت أرافقهم لإشعال النار على جبل «السيدة» وجبل «السايح»، المشرفين على قرى الكفرون والمشتى والجوار. وفي ذلك الوقت استشهد الرفيق رئيف دعمش بضربة حجر على رأسه، وكان لهذا الحادث الأليم أثر كبير في نفسي. بعدها، وخلال الأعوام من 48 - 52، استشهد الرفاق: يوسف عيسى وسليمان علي الشريف وعطية الشهدا. وفي تلك الفترة تم افتتاح ثلاث مدارس هي: مدرسة للسوريين القوميين الاجتماعيين، ومدرسة الخوري بولس، في قرية كفرون سعادة، ومدرسة ابن خلدون، وكان الرفيقان حنا الياس ودانيال نعمة مسؤولين عنها، وقد قدم الرفيق دانيال نعمة بيت أهله مجاناً كبناء للمدرسة، وفيها تلاقى الطلاب من كافة القرى، وانتشر الفكر الشيوعي بسرعة، وتم التفاعل والنقاش، وانطلقت المظاهرات الوطنية أيام حكم الشيشكلي، وقد شاركتُ فيها جميعاً، ولبيت كسائر الشيوعيين نداء الحزب للاشتراك في مظاهرة أنصار السلم الضخمة، عام 1951. واعتُقلنا على أثرها: دانيال نعمة، عزيز خوري وأنا، حيث سُجنا ثلاثة أشهر في سجن اللاذقية.

بين عامي 1951- 1952، كُلفتُ بمهمة إخفاء الرفاق الملاحقين وتأمين حاجاتهم، حيث كانوا يأتون ليلاً حاملين المطبوعات، وكنت بدوري أقوم بتوزيع هذه المطبوعات، سيراً على الأقدام، إلى القرى المجاورة. مارست العمل التنظيمي في القرية والقرى المجاورة بدءاً من عام 1949 حيث تم أول اجتماع في قرية الكفرون بحضور الرفيق دانيال نعمة، وقد تم تشكيل لجنة من الرفاق: ديب قطيرة، ديب اسحاق، جميل السليم وأنا، للنضال مع الفلاحين في معركتهم الطبقية من أجل الأرض. وعندما وقع صدامٌ في قرية بشرائيل، المملوكة من عائلة إقطاعية، «بيت العباس» جمعنا الزيت والطحين لعائلات الفلاحين، المعتقلين في سجن طرطوس، بقيادة الرفيق المرحوم المناضل هزيم هزيم. كما قدمنا لهم المحامين، وهذا ما أعطى دفعاً قوياً لفلاحي القرى المجاورة للنضال في سبيل حقوقهم المشروعة، وذكرى اعتقالي الأول عام 1950 تتراءى حتى اليوم أمام ناظري، إثر اشتراكي بمظاهرة المشتى مع مجموعة من الرفاق، وقد خرجنا بعدها بكفالة مالية قدمها أحد أصدقاء الحزب من آل بشور.

في منتصف الخمسينات، عملت لمدة ثمانية أشهر في جريدة الحزب «النور» حيث كنتُ أصف أحرف الجريدة في حي باب توما في دمشق. ثم عملت في التعليم، وبعدها عملت في قسم المحاسبة بالجيش، وفصلت عام 1958 إثر حملة اعتقال الشيوعيين. وهربت إلى لبنان مع رفاق كثيرين. وأثناء وجودي في لبنان كُلفت بثلاث مهمات: الأولى نشر بيان الحزب قي عيد الجلاء، والثانية الذهاب من لبنان إلى الكفرون ليلاً برفقة الرفيق منير ليون، لنجمع الأخبار، حيث بقينا فترة، والثالثة القيام بتوزيع البيانات في اللاذقية، وقد أُلقي القبض علينا، وبقينا في سجن اللاذقية لمدة ثلاثة أشهر، ثم نقلنا إلى سجن المزة العسكري، ثم خرجت من السجن في شهر آب عام 1961 قبل الانفصال. وفي عامَي 1963- 1964 كلفت بالعمل التنظيمي في منطقة الشعرة، التابعة لمحافظة حمص، هذه المنطقة التي تضم قرى عديدة متباعدة، وكالعادة، كان التنقل مشياً على الأقدام لعدم وجود السيارات. وهناك أيضاً اعتقلت، وقد أصدر القاضي ظافر موصللي، حكما بسجني لمدة ثلاث سنوات. وبعد ذلك عملت في جريدة «المنارة» التابعة لمنطقية طرطوس، ثم ممثلاً للحزب في مجلس الإدارة المحلية عام 1970. ومن أشد الأحداث حزناً وإيلاماً للنفس، ما وقع في أوائل السبعينات من انقسام الحزب الكبير، ثم ما تبع ذلك من الانقسامات وخيبات الأمل، وما نتج عنها من تراجع وضعف أصاب الحزب فأبعده عن جماهيره.

أنا الآن في أواخر العمر فقد تجاوزت 76 عاماً، ومع ذلك فأنا عضو منتخب للاجتماع الوطني السابع، وأعمل بكل جد وتفانٍ وإخلاص، مع جميع من يعملون لأجل وحدة الحزب، واستعادته لدوره الوطني والطبقي، مناضلاً صلباً في سبيل كرامة الوطن والمواطن. كما أنني أتابع بكثير من الاهتمام، قراءة جريدة «قاسيون»، التي ساهمت في رد الأمل إلينا من أجل وحدة الشيوعيين، وأشكر جميع العاملين فيها.

أيها الرفاق، وكما تعرفون، جاء في الأدبيات اللينينية: «إذا وُجد في بلد واحد، حزبان شيوعيان، فلا بد أن يكون أحدهما يمينياً». فما بالكم بوجود أربعة أحزاب شيوعية في سورية؟! 

■ محمد علي طه

آخر تعديل على الخميس, 24 تشرين2/نوفمبر 2016 14:53