في الأمس كانوا هنا، واليوم قد رحلوا وداعاً أبا أسامة

لا أدري لماذا لم يخطر لنا ببال، ويدنا توشك أن تنزع آخر ورقة من تقويم عام مضى، أن يد القدر ستقلب آخر صفحة من حياة أحد رواد الجيل الثاني من شيوعيي السويداء. الرفيق نواف طلال دويعر، الشيوعي المبدئي والنقابي الجريء، المدافع بشراسة عن حقوق العمال وحركتهم النقابية.

نحن الجيل الذي فتح لنا الحزب بوابة قلعته المنيعة، في النصف الثاني من ستينات القرن الماضي، لن ننسى «أبا أسامة»، أنك كنت أول من احتضنها وأضاء لنا الطريق، منك تعلمنا الكثير، وفيك وجدنا قوة المثال التي بها تتوهج الأفكار. كان بيتك للرفاق جميعاً، مكتباً ومطعماً واستراحة، أما محل الخياطة الذي كنت تعمل فيه في قلب المدينة، فقد كان مركزاً ثقافياً نلتقي فيه، تسبقك إلينا ابتسامتك الصادقة وترحيبك الحار، تمطرنا بأحاديثك المفعمة بالإيمان بالاشتراكية، بالوطن الحر والشعب السعيد. إن الذاكرة، رفيقنا الغالي، لن تفرّط بمخزونها الغني من الوقائع الدالة على نبل شيوعيتك وأصالتها قولاً وفعلاً.

أما بيتك العامر، الذي نشأت فيه أسرتك على إيقاع ماكينة الخياطة التي حرقت كل سنوات العمر، ربيتها على كل ما هو جميل وشريف في هذه الحياة، ومنك ومن زوجتك الطيبة الراحلة تعلمنا حب الوطن والشعب وقيم العمل، بيتك العامر هذا، كم كان له شرف استضافة الكثير من الاجتماعات والمؤتمرات، سواء كان ذلك للحزب، أم لاتحاد الشباب الديمقراطي، بحيث تحول إلى مكتب فعلي للحزب، وكم كنتَ سعيداً بذلك، أنت وزوجتك الراحلة. أجل، نقول هذا إنصافاً لك، نحن الشهود على ذلك.

ولكم أكبرنا فيك، أيها الراحل العزيز، وقوفك فوق كل الانقسامات في حزبنا الشيوعي، ولكم كانت أحاديثك تقطر ألماً وحزماً حين تتطرق لها، فكنت ترى وجوب العمل في سبيل حزب شيوعي سوري واحد، يعيد للشيوعيين دورهم المشرف في سبيل الوطن والشعب، وهذا ما كانت تعكسه «قاسيون»، التي كنت تتابعها باستمرار.

رفيقنا الغالي: عندما يكون القلب مفعماً بالحزن، يغدو القلم متعثراً في التعبير عن المشاعر، أوليس من الشجاعة أن نعترف بأننا لم نفك حقك، كواحد من الرعيل القديم؟ فلكم كانت عطاءاتك سخية، وكم قلّت عطايانا، وكم قعدنا معك وأنت تصارع المرض في شهورك الأخيرة، فهل لك أن تعذرنا؟!

الحياة لا تتوقف يا «أبا أسامة»، ومآثرك لن تُنسى، ستبقى خالدة بخلود ذاكرتنا الشعبية، وستبقى صورتك لدينا، شاباً مفعماً بالحيوية والنشاط، كشباب أفكارك التي لا تشيخ، أفكارك التي آمنت بها، وعملت من أجلها حتى الرمق الأخير.

إلى الذي شعّ نجمه أكثر من سبعين عاماً، وغاب، لكنه لن ينطفئ، سلامٌ لك من رفاقك ومحبيك، «أبا أسامة».. وداعاً.

 فرج أبو فخر 

على خطاهم.. ماضون

بصدور مليئة بكل مشاعر الفخر والاعتزاز بحياته وتاريخه الوطني، وعيون ملأتها الدموع قسراً، وقهراً، ودعت محافظة السويداء فقيدها الكبير، الرفيق الشيوعي الدكتور غازي معذى البعيني، الذي وافته المنية فجأة، إثر احتشاء في العضلة القلبية، عن عمر يناهز اثنين وستين عاماً، أمضاها في النضال والكد من أجل لقمة العيش النظيفة، وفي العمل الإنساني المخلص لمجتمعه ومحافظته.

ولد الرفيق الراحل عام 1945، في أسرة ريفية مناضلة، تتحلى بروح وطنية عالية، أثرت على مسيرة حياته تأثيراً إيجابياً كبيراً، فانتسب لصفوف الحزب الشيوعي السوري وهو في العشرين من العمر، أي منذ عام 1965، وتخرج من كلية الطب ليسير مكافحاً مخلصاً في عمله الإنساني، واغترب وراء لقمة العيش في بلاد عديدة، ما حصد منها سوى الكد والتعب والكدح، حتى آخر لحظة في مشوار حياته، حيث وافته المنية بعد ساعات قليلة من قيامه بإجراء عملية جراحية ناجحة لإحدى المريضات.

شارك في محفل تأبين الرفيق الراحل حشدٌ كبير من المعزين، ناف عن الألفين بقليل. وجاءت الشهادات المعددة لمناقبه وصفاته الحميدة، مخلصة صادقة وفية. وقد ألقى الرفيق حمزة منذر كلمة تأبينية، عرض فيها جزءاً من حياة الفقيد، قال فيها: «عرف الفقيد الغربة طلباً للعلم، ونال أعلى الشهادات، كما اضطر للغربة خارج القطر طلباً للعمل، كغيره من أبناء الوطن. لم تغره الأرصدة والأرقام والمناصب، بل أغرته أخلاق المهنة، ولقب الطبيب الإنسان، الذي يجمع بين عمق الاختصاص، وعمق الانتماء للبيئة الشعبية التي ترعرع فيها، وتعلم فيها قيم الرجولة والكرامة الوطنية، وهي الرصيد الأكبر والأهم، الذي ورثناه عن السلف الصالح، وخصوصاً كره المحتل، وعدم الرضوخ لجبروته مهما كان الفارق في موازين القوى».

فراق الرفيق الراحل الدكتور غازي البعيني، خسارة كبيرة لكل الشرفاء في هذا الوطن، ولكنها لن تكسرنا، بل ستزيد عزمنا وتصميمنا على متابعة الدرب، على خطا أمثاله من الوطنيين المخلصين.

يوسف البني 

رحيل الرفيق بديع درويش

شيعت قرية جسرين، الرفيق الشيوعي، والمخرج الصحفي التلفزيوني، بديع درويش.

ولد الرفيق في أسرة فلاحيه فقيرة مكافحة، انتسب شبابها الخمسة إلى صفوف الحزب، وقد عَرَف الشاب بديع طريقه إلى الحزب في المرحلة الثانوية، وبعدها أرسله الحزب للدراسة في الاتحاد السوفييتي، في مطلع السبعينات، فكان مثال الطالب الشيوعي المجتهد المتفوق، وقد تخرج بدرجة ماجستير في الإخراج الصحفي والتلفزيوني.

وبعد عودته للوطن كان مثالاً للمثقف الشيوعي الذي يخدم الناس ويحظى باحترامهم، ويدافع عن قضاياهم، وقد تميز الرفيق بالشجاعة والثبات في الدفاع عن الوطن، وتجلى ذلك إبان حصار بيروت عام 1982، وكان برتبة ملازم مجند، حيث دافع ببسالة نادرة عن موقعه، فاستحق الثناء والتقدير من زملائه ورؤسائه.

عانى الرفيق طويلاً من مرضٍ عضال، ولكنه لم ينهر، حتى الرمق الأخير.

شارك في تشييعه، إضافة إلى أبناء بلدته، عشرات الرفاق من اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين.

رحل الرفيق في 23/12/2007، لكن ذكراه، باقية أبداً، في قلوب رفاقه ومحبيه وذويه.

قاسيون