مطبّات على الورق.. على الأرض

ذبحتنا التصريحات، المناشدات، والاجتماعات التي صدر عنها تصريحات ومناشدات وآليات العلاج والمتابعة، ثم مؤتمرات صحفية وندوات، وتحقيقات مصورة، واتصالات هاتفية من الأخوة المواطنين، ثم وعود مطلقة بالعلاج، تصل إلى حد الضرب بيدٍ من حديد على يد الفاسدين.

على الأرض ثمة ما يجري بشكل معاكس، أسعار تعلو، والأسباب من الصقيع إلى ارتفاع سعر صرف اليورو، دوريات التموين ليس بيدها الحل، أو أن لها حصة فيما يجري، زحام وأزمات يعيشها المواطن واحدة تلو الأخرى، الرواتب والأجور لا تكفي لسد الرمق، الاحتكار سيد السوق، الفاسدون يتكاثرون، البطالة تتفاقم، وجيش من خريجي الجامعات بلا عمل، وأرتال جالسة على الرصيف تنتظر من يشغّلها.

على الورق شهد الشهر المنصرم جملة قرارات ومراسيم وتشريعات، اجتماعات لمجلس الشعب، وغاية مَنْ أصدرها هي الحد من تفاقم أزمات المواطن، من قانون حماية المستهلك انتهاء بتصريحات رئيس الحكومة عن زيادة (مجزية) في الرواتب والأجور، وإقرار مجلس الشعب قانوني المنافسة، ومنع الاحتكار.

على الأرض مازال المواطن السوري لتاريخه، يشكو من الأعراض السريرية نفسها على حياته اليومية، والخشية من قرارات جديدة تعقب مراسيم وتشريعات الرحمة السابقة، فكما هي العادة، كل زيادة على الراتب تعقبها زيادة (مجزية) على الأسعار، وفقدان بعض المواد..  وزيادة في عدد العاطلين عن العمل، ومنافسة غير شريفة، ضحيتها الوحيدة (المواطن)، نقطة الصراع بين الاحتكار وعكسه، التهريب وفقدان المازوت.. الصقيع وجرزة البقدونس المقدسة، البطالة وخلق فرص عمل وهمية لأجندة الحكومة، منع التهريب وتهريب النقود من جيب المواطن في أول الشهر، الفاسد وتطور أدواته في دورة الفساد المتعاظمة، وبين المواطن وهشاشة حاله و استسلامه لأقدار من صنع الذين يبنون قصورهم من لقمة أبنائه.

على الورق، ثمة ظاهرة أكثر دهشة من الغلاء، تنامت وترعرعت في ظل السوق المفتوحة، وحاجة السوق وازدحامها.. الغش كمؤسسة جديدة تنافس في سحب مدخرات الناس، سلع تملأ السوق دون مواصفات حقيقية، من السلع الأساسية وصولاً إلى الشامبو المصنوع في (غسالة) وكل ثلاث (علب) بـ/100/ مائة ليرة..

** الأرض، مصنع زيوت ضخم حسب مدير تموين ريف دمشق تم ضبطه، خمس مجارش تخلط العلف بالرمل.. تفاح عرنة يباع بسعر تفاح الجولان  الكيلو /65/ ليرة، ثم يتساءل المواطن خلسة، ترى هل هي بضاعة مغشوشة.. غلاء وغش، دوريات مرتشية حسب (أبو ياسر)، ثم غش آخر، مواصفات مختلفة للسلعة نفسها.. وأحياناً ملونة.. فمادة القهوة مثلاً.. سوداء، وسط، خفيفة.. ثم يأتي حساب المصدر (برازيلي، سيلاني)، ثم صراع الماركات والعبوات، تلاعب السوق الدولية، الحصار الاقتصادي، السوق العربية، ارتفاع (اليورو) بعد أن تخلصنا من صراع (الدولار)، في النهاية، ثمة على الأرض واقع لا يرحم.

على الأرض، على الورق، المواطن يسمع ويكاد يصدق، يسمع ويدعو الله أن تفرج حاله، والتصريحات يومية تكاد لا تصدق، فعلى الأرض يكذّب ما على الورق.. كل هؤلاء من أصحاب القرار أثبتوا مما لا يدعو للشك وعلى طول تجربة المواطن أنهم إما لا يأبهون بحاله، أو أنهم عاجزون عن مساعدته، وعن تطويق الفساد، ولجم السوق المتوحشة.

تعلمنا ونحن صغار، أن السودان سلة العرب الغذائية،  والسعودية بئر نفطنا العربي، موريتانيا نحاسنا، الجزائر غازنا، وتونس زيتوننا، تعلمنا كل ذلك ونحن صغار، كبرنا ولا شيء من هذا وصلنا، قلنا على الصعيد المحلي.. ماء الفيجة، قمح الجزيرة.. وحوران، زيتون الساحل وإدلب، فواكه الغوطة..الخ، حتى هذه صارت أحلام في ظل الغلاء المستشري.. وحمى البحث عن العملة الصعبة والتصدير، ومواسم الجفاف المتلاحقة.

كتب نبيل خوري ذات يوم في إحدى افتتاحياته (مجلة المستقبل) تحت عنوان (حذاء لكل مواطن عربي)، من كل هذه الثروات التي ذكرناها، لو باتحادنا نستطيع كأمة تقديم حذاء لكل مواطن عربي..

على الأرض.. الواقع.. لم نستطع عربياً ولا محلياً.. أن نحقق من شعاراتنا، مجرد حذاء لكل مواطن عربي، وعلى الورق استفدنا من كل تجارب الأرض ولم نتقدم خطوة واحدة..

على الأرض.. على الواقع.. على الورق.. لساننا دائماً أطول من يدنا، نقول ولا نفعل.. نقرر ولا ننفذ، نصدر قرارات، مشاريع.. فرمانات على الورق..

على الأرض ثمة إنسان دون حذاء.. دون حماية.