طلاب السكن الجامعي: هذا حالنا منذ سنوات عمال مضربون.. مكتبات مهجورة.. غرف مؤجرة..
كانت الصور التي نشرها أحد الصحفيين على صفحته في «فيسبوك»، للأوساخ المتراكمة بمكتبة المدينة الجامعية في دمشق (مدينة الباسل في المزة)، كفيلة للكشف عن «خلل» في عملية تسليم عمال النظافة رواتبهم الشهرية، أو بدقة أكثر «تأخر تسليم رواتبهم من قبل المتعهدين، لتأخر جامعة دمشق تسليم المتعهدين مستحقاتهم».
إدارة المدينة الجامعية عالجت قضية الأوساخ المتراكمة في اليوم التالي لنشر الصور، فهذه القضية قد تكون من أبسط القضايا التي تعاني منها المدينة الجامعية، ويمكن حلها ببساطة ظاهرياً، بينما تبقى عشرات المشاكل الأخرى، إضافة إلى مشكلة رواتب عمال النظافة، بحاجة إلى حلول جذرية، كونها قديمة جداً وتكاد تكون متأصلة هناك.
إضراب
لو لم يكن تأخير الرواتب لأكثر من شهر قضية متكررة، لما أحجم عمال النظافة عن العمل بما يشبه الإضراب، حيث أكد مصدر في اتحاد الطلبة لصحيفة «قاسيون» إن عمال النظافة أضربوا عن العمل مدة 8 أيام تقريباً سعياً للضغط على جامعة دمشق والتسريع باستلام رواتبهم، ما أدى لتراكم القمامة بشكل مخيف.
مدير المدينة الجامعية لم ينكر ما حدث، وأكد في حديث إذاعي أن ما حدث كان سببه «خلل في تسليم رواتب عمال النظافة، نتيجة بعض الإجراءات الإدارية، ما أدى لتأخر تسليم المتعهدين مستحقاتهم، وبدورهم تأخروا عن تسليم العمال، ولذلك أحجم بعض العمال عن العمل احتجاجاً».
أين عمال النظافة؟
وتابع «وعدنا العمال أن تُسلم المبالغ يوم الأحد، وفي نهاية الدوام الرسمي لن يبقى عامل دون راتبه»، لكن موضوع إهمال النظافة في المدينة الجامعية موضوع قديم جديد، وخاصة في الوحدات السكنية، حيث اشتكى طلاب من عدم مشاهدتهم عمال النظافة إلا مرة واحدة في الأسبوع، ما يزيد من تراكم الأوساخ، عدا عن عدم الاهتمام بشطف الممرات.
أحمد واصل، مدير المدينة الجامعية الذي استلم منصبه منذ شهر تقريباً، يؤكد وجود 15 عامل نظافة لكل وحدة سكنية، ويعتبر هذا العدد الذي صرح به، كفيل بالحفاظ على نظافة السكن في حال كانت هناك متابعة جدية من قبل الإدارة، رغم تأكيد واصل على وجود مشرفين على عمل المتعهدين ووجود حسومات شهرية لمتعهدي النظافة نتيجة الملاحظات المتكررة.
إشكاليات فنية ومستودعات فارغة
شكاوى الطلاب في المدينة الجامعية لم تقتصر على النظافة فحسب، بل راحت إلى التذكير بالمعاناة الدائمة التي لم تحل ويبدو أنها لن تحل، وخاصة قضية الحمامات والمغاسل والأعطال التي تعاني منها، وفي جولة لـ «قاسيون» لوحظ عدم وجود صنابير مياه وتسريب كبير وصدأ واهتراء بالأنابيب، وهنا قال واصل: إن الحمامات تعاني من إشكاليات فنية هندسية، إضافة إلى عدم توفر المواد.
وتابع: «المنطق أن تكون القطع المطلوبة موجودة في مستودعاتنا، لكن في نهاية العام الماضي، تم النواقص كل وتركيب أغلب الموجودات» مشيراً إلى أن: «المشرف الهندسي قام بالكشف على الوحدات مؤخراً وحدد النواقص من كل شيء وتم رفعها إلى إدارة الجامعة، لتتم الصيانة نهاية العام».
الحديث عن استهلاك موجودات المستودعات لصيانة الوحدات العام الماضي كان «مضحكاً» بالنسبة لبعض الطلاب، الذين أكدوا أنهم يضطرون أحياناً لصيانة الصنابير على حسابهم الخاص، وقال أحدهم: «أيعقل أن يحتاج تركيب صنابير مياه، لكتب ومراسلات ورصد ميزانيات».
المولدات تعمل ساعتين فقط
ومن شكاوى الطلاب أيضاً، عدم تشغيل المولدات حتى المساء رغم ارتفاع درجات الحرارة، والحاجة للتركيز بالدراسة هذه الفترة من العام «امتحانات التكميلي»، إضافة إلى عدم وجود برادات للمياه، ما يدفع الطلاب لإنفاق مبالغ إضافية وشراء المياه الباردة، وأيضاً، عدم تركيب مراوح في الغرف.
مدير المدينة الجامعية أكد عدم تشغيل المولدات من الصباح حتى المساء، دون أن يبرر السبب، قائلاً: «حصلنا على موافقة من شركة الكهرباء لتزويد المدينة بالتيار بشكل متواصل من الساعة الـ 7 مساءً إلى الـ 12 ليلاً، وبعد الـ 12 ليلاً نقوم بتشغيل المولدات حتى الساعة الـ 2 صباحاً».
أي أن مولدات كهرباء المدينة الجامعية لا تعمل سوى ساعتين في اليوم، رغم التصريحات الحكومية التي تؤكد توفر مادة المازوت وخاصة فترة الصيف نتيجة قلة الطلب عليها.
أما تركيب المراوح في الغرف، فلم يكن من أولويات المدير، الذي قال: إن «أرخص مروحة في السوق يصل سعرها إلى 30 ألف ليرة سورية، ولدينا حوالي 2000 غرفة، والتكلفة ستكون مرتفعة جداً، وبصراحة لدينا أولويات منها المياه والكهرباء!»، داعياً من يرغب من الطلاب، لشراء مروحة وتركيبها.
تأجير غرف 5 نجوم!
«غرف فيها عشر بنات وغرف فاضية ومسكرة، وغرف فيها واسطات مو أكتر من تلاتة، وغرف بتتأجر»، هكذا عبرت إحدى الطالبات في المدينة عن معاناتها بوجود 10 طالبات في غرفة واحدة بجو «حارق» وفي فترة الامتحانات التكميلية.
ربما اختصرت هذه الطالبة شكاوى عدة سنوات سابقة بهذه الجملة القصيرة، بينما أضاف إلى شكواها مصدر في اتحاد الطلبة، معلومات عن «وجود سمسار يقوم بتأجير الغرف في الوحدة 15، ويتراوح أجار الغرفة مابين 15 – 20 ألف ليرة شهرياً».
وتابع «تعتبر الوحدة 15 من فئة الـ 5 نجوم، وهي مخدمة بكل شيء والتيار الكهربائي لا ينقطع، كونها مخصصة للعرب والأجانب، وهذا ما يجعل تأجير الغرف فيها أمراً سهلاً».
وعن وجود عدد قليل من الطلاب في غرفة، وحوالي 10 طلاب في غرفة أخرى، قال المصدر: إن «أي طالب نافذ في الاتحاد يستطيع التحكم بعدد الطلاب في الغرفة، وهذا ما يحصل في بعض الغرف لأصدقاء هؤلاء».
المكتبات مهجورة
ورغم فترة الامتحانات الحالية، كانت مكتبات الوحدات المخصصة للدراسة «مهجورة»، وغير صالحة للدراسة نهائياً، فهي تفتقر للإنارة والمراوح وحتى الكراسي وزجاج النوافذ، عدا عن إهمال نظافتها.
مدير المدينة الجامعية برر عدم وجود كراسي في تلك المكتبات بأنه: «تم وضع كراسي إلا أن بعض الطلاب أخذوها للغرف»، لكنه لم يبرر الإهمال الحاصل، قائلاً: «يفضل الطلاب المكتبة المركزية، فهي منارة 24 ساعة، وفيها كل مقومات الدراسة»، بينما أكد الطلاب انقطاع الكهرباء حتى عن المكتبة المركزية فترة الامتحانات.
السكن الجامعي هاجس ومحسوبيات
ومع اقتراب نهاية العام الدراسي الحالي، واقتراب موعد بدء العام الجديد، يبدأ هاجس الحصول على غرف في المدينة الجامعية يزداد لدى الطلاب، وخاصة المستجدين، ومع كل عام تطيح حجة «العدد الهائل» من الطلاب مع وجود المحسوبيات بكثرة، بحق الكثير في السكن بالمدينة، ما يدفعهم للاستئجار بمبالغ ضخمة قرب السكن الجامعي، علماً أن أسعار الإيجارات العقارية ارتفعت هذا العام أضعافاً مضاعفة، وقد تقضي بذلك على المستقبل الدراسي للكثير من الطلاب.
موجبات وضرورات
على ذلك ينبغي على إدارة المدينة الجامعية إيجاد حلول إسعافية سريعة لكل تلك المشاكل السابقة، قبل بدء العام الدراسي القادم، وإلا ستصبح تلك السلبيات سِمَة خاصة تدمغ بها المدينة الجامعية وإدارتها، وخاصة على مستوى المحسوبيات والواسطات والفساد، وما يتبعها من إهمال وترهل، ينعكس سلباً على الطلبة ومستقبلهم بشكل مباشر.
كما يوجب على الجهات المسؤولة والمشرفة بالمقابل (جامعة دمشق- وزارة التعليم العالي- الحكومة) توفير الاعتمادات الكافية من أجل إجراء الصيانات اللازمة للأبنية والوحدات السكنية على مستوى البنى التحتية من ماء وكهرباء وصرف صحي وغيرها، كما على مستوى الموجودات الثابتة من أسرة وفرش وكراسي ومناضد وغيرها، مع حسن التنفيذ والمتابعة والمراقبة والمحاسبة، فالسكن الجامعي يعتبر من المؤسسات الخدمية الهامة، وخاصة لأبناء فقراء الحال وأصحاب الدخل المحدود من الطلبة الجامعيين، والتي يجب عدم التفريط بها أو إهمال متطلباتها واحتياجاتها.