بوتين: الروس لن يتركوا أبداً بلادهم تسلك طريقا تدميرياً كما حصل سابقاً

جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية الروسية التي جرت مؤخراً انعكاساً طبيعياً لمسار تطور الأوضاع في روسيا «ما بعد يلتسين». فالرئيس فلاديمير بوتين وإن كان يشكل في نهاية المطاف محصلة لصراع وزارة الخارجية الروسية الممثلة للمصالح الاحتكارية في بلاده، والمؤسسة العسكرية الروسية التي تريد استنهاض الكرامة الوطنية الروسية استطاع بالمحصلة، وبعد تطورات عدة طالت رموز الأوليغارشية المافيوية المالية–النفطية-الإعلامية المرتبطة بالصهيونية العالمية والتي كانت متحكمة إلى حد كبير بدفة الاقتصاد والإعلام الروسيين، استطاع نقل روسيا إلى مواقع جديدة، انعكست على تحسن وضع الاقتصاد الروسي عموماً، بما فيه الوضع المعيشي للشرائح الوسطى، (مع بقاء الفقيرة في فقرها)، إلى جانب إعادة الاعتبار لمكانة روسيا إقليمياً ودولياً، وهي التي أصبحت تتعامل على أساس أنها مهددة في أمنها الجيوستراتيجي من جانب واشنطن والحلف الأطلسي.

وهي في ذلك تعتمد آلية «لا مواجهة ولا استكانة»، مطلقة حرباً شبه باردة مع واشنطن ولاسيما في القضايا الشائكة من الدرع الصاروخي الأمريكي، مروراً بقضية كوسوفو، إلى الملف النووي الإيراني وإن كانت موسكو لا ترغب برؤية إيران مسلحة نووياً ضمن محيطها الجغرافي السياسي.
جاء في العدد 308  من قاسيون بتاريخ 31/5/2007 أن روسيا «تمكنت من سداد ديونها الخارجية من خلال فوائض النفط، وبدأت بشراء شركات أوربية خاسرة مثل إليطاليا وشركة الخطوط الجوية الصربية مستفيدة من الفضاء الأوربي المفتوح وعمليات الشراكة والاندماج المعتمدة. ورافق ذلك إعلان روسي حول اندفاعة عسكرية واتصالاتية جديدة تتمثل في إطلاق الجيل الرابع من الأسلحة المتطورة المرتبطة بالأقمار الصناعية، والجيل الثالث من الهواتف النقالة المرتبطة بتلك الأقمار، وجميعها روسية الصنع وذات دقة عالية في الصوت والصورة، إلى جانب الإعلان عن قرب إطلاق نسخة روسية مجانية من النظام الشامل لتحديد المواقع Global Positioning System. وقد تحول هذا الزخم إلى ورقة قوية بيد الرئيس بوتين، سمحت له بتكرار مهاجمة الدرع الصاروخي الأمريكي، والتأكيد على استنتاجات سابقة من جانب خبراء استراتيجيين روس ودوليين بأنه يستهدف روسيا بالدرجة الأولى، لما تمثله من ثقل جيو-استراتيجي، وسكاني وعسكري في مقابل النفوذ الأمريكي المتنامي».
وبعد صدور نتائج الانتخابات الحالية التي أظهرت فوز حزب روسيا الموحدة، الذي ترشح بوتين على لائحته، بأكثر من 63% من أصوات الناخبين وبـ315 مقعدا من أصل 450, أي بأكثرية دستورية تسمح له بتعديل الدستور، تجاهل الرئيس الروسي انتقادات المعارضة والأوساط الغربية الموجهة ضد الانتخابات في بلاده, وقال إن «النصر الكاسح» لحزبه وحصوله على الأغلبية في البرلمان يعبر عن «مدى الثقة الشعبية فيه» وهو يحمل على التفاؤل في المستقبل مضيفاً أن «شرعية البرلمان الروسي زادت من دون أدنى شك», ومؤكداً أنه «من الواضح أن الروس لن يتركوا أبدا بلادهم تسلك طريقا تدميرياً مثلما حصل في بعض دول الاتحاد السوفيتي سابقاً».
واعتبر أن هذه النتائج دليل على الاستقرار السياسي في روسيا، متهماً الولايات المتحدة بالتحريض على الفوضى في بلاده.
بموازاة ذلك فقد تمكن الحزب الشيوعي الروسي بزعامة غينادي زيوغانوف من رفع حصته في المقاعد البرلمانية إلى 57 معقداً رافعاً نسبة أصواته إلى 11.2 بالمائة ليكون القوة الثانية في البرلمان ولكن بفارق كبير عن حزب السلطة، ويعود السبب وراء ذلك إلى غياب البرنامج العملي الذي يستقطب المزيد من القواعد الجماهيرية والانتخابية بالتالي، إلى جانب تشظي الحركة الشيوعية بأحزابها وتلاوينها في روسيا وتنافر قياداتها، وهو ما يخدم خصومها في الداخل والخارج على حد سواء.