عفواً... إنها مافيا المحروقات

لا يمر يوم لا نسمع فيه، عبر إعلامنا المرئي والمكتوب والمسموع، خبراً عن تهريب المحروقات وخاصةً مادة المازوت، وعن المتابعات الحثيثة من السلطات العليا لمكافحة هذه الظاهرة. وآخر ما طالعتنا به الصحف هو المذكرة الاحترازية التي قدمتها وزارة النفط والثروة المعدنية للتأكيد على اتخاذها إجراءات حقيقية جدية وعملية من جميع الجهات الأمنية والجمارك، وصولاً إلى حرس الحدود، لمنع تهريب المحروقات بكل أشكاله، بدءاً من الكالون الصغير وانتهاءً بالصهاريج الكبيرة والخزانات السرية، ولعل ما أثار حفيظتي لأكتب في هذا الموضوع هو أشكال وطرق التهريب التي ذكرتها الوزارة في مذكرتها، والتي تعيدها على مسامعنا دائماً عبر وسائل الإعلام المختلفة، ويختلط فيها الحابل بالنابل.

ورغم أننا لا نختلف على التسميات، فالفساد أينما وجد هو فساد، سواء كان صغيراً أو كبيراً، وهذه القاعدة نفسها تنطبق على المهربين أيضاً، إلا المشكلة في بلدنا أن المعالجة تبدأ دائماً بالصغار وتترك الكبار من الفاسدين يسرحون ويمرحون، ولسان حالهم يقول: «يا أرض اشتدي.. ماحدا قدي»، لتنقلب كل الموازين، وحتى القوانين لصالحهم، وكأننا نعيش في غابة لا حياة للضعيف فيها، والبقاء فقط.. للأقوى.
ولكي لايقال عن كلامنا أنه (حكي جرايد)، نؤكد أننا حاولنا (في قاسيون) ولمدة يومين، رصد الحركة في إحدى مناطق التهريب بغية الوقوف على الآليات التي يتم فيها تهريب المحروقات ومشتقاتها، وكانت النتيجة التي لم نستغربها مشاهدة العديد من المهربين الصغار الساعين إلى تهريب بيدون أو تنكة مازوت، لكن ما فاجأنا أولئك المهربون الكبار الذين يقومون بعملياتهم الكبيرة في وضح النهار، وأمام أعين الجميع، وبآلاف الليترات يومياً، وكل ذلك على حساب الوطن والمواطن، الأمر الذي يعاكس كل ما جاء في المذكرة التي أعدتها وزارة النفط والثروة المعدنية. والحقيقة أنه لا تجري عملية تهريب واحدة، إلا بمساعدة إحدى الجهات التي جاء ذكرها في المذكرة.
إذاً، التهريب الكبير يجري على قدم وساق، والصهاريج تسير بمرافقة مسلحة، مدعومة بعدد كبير من العناصر الذين يحمونها من الأمام والخلف، إلى حين الوصول حتى النقطة الحدودية التي يتم فيها تفريغ الحمولة، وكل من يسكن في تلك المناطق يعلم ببواطن أمور التهريب، وعلى قول أحدهم: «لكل منطقة شبيحتها... ولكل محافظة لون محدد من الشبيحة الذين جعلوا من هذه العمليات كنزاً لا يفنى، ولن يتم القضاء على التهريب ومكافحته إلا بالقضاء على هؤلاء الشبيحة الذين ينظرون إلى الناس من أنوفهم، ولديهم الاستعداد الكامل لفعل أي شيء في سبيل هذا الكسب غير المشروع، والذي جعلوه عملاً يومياً لهم»..
إن كلمة (تهريب) لوصف ما يجري عند النقاط الحدودية السورية، في ظل المشاهدة الحية التي شاهدناها، لا تدل على المعنى الحقيقي للواقع الحالي، لأن ممارسي هذه العمليات باتوا يستحقون، وبجدارة، أن تطلق على عملهم، المليء بالتعديات، تسمية (مافيا) المازوت السوري، والله على ما أقول شهيد!.