مباحثات الاقتصاد الروسي ـ التركي... من النووي إلى الطماطم
شارك الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان في مراسم وضع حجر الأساس لمشروع محطة «أكويو» التركية النووية للطاقة، وذلك في مستهل محادثات شهدتها أنقرة يوم أمس، هي الأولى هذا العام بين الرئيسين، التي بحثا خلالها ملفات العلاقات الثنائية، لا سيما في مجال التعاون التجاري - الاقتصادي، وفي مجالات استراتيجية مثل الطاقة. كما بحث الجانبان ملف صادرات المنتجات الزراعية التركية، لا سيما الطماطم إلى السوق الروسية، سعيا لحل خلافات ما زالت عالقة في هذا الشأن.
ووصل بوتين أمس إلى أنقرة، وهي المحطة الخارجية الأولى بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الشهر الماضي، يرافقه وفد اقتصادي وسياسي كبير، ضم مديري كبرى الشركات الحكومية الروسية في مجال الطاقة، وعددا من الوزراء ومسؤولين آخرين من مختلف القطاعات الاقتصادية. وشارك الوفد الروسي في اجتماع مجلس التعاون الاقتصادي رفيع المستوى، برئاسة بوتين وإردوغان.
وفي كلمته خلال مراسم وضع حجر الأساس لمشروع محطة «أكويو» تعهد الرئيس الروسي باستخدام أفضل التقنيات الروسية في بناء المحطة، وأعلن أن المفاعل الأول منها سيبدأ عمله عام 2023، بالتزامن مع الاحتفالات بمرور 100 عام على تأسيس الجمهورية التركية. وأكد استخدام تقنيات عصرية في بناء المحطة، تتميز بالفعالية الاقتصادية ومراعاة أعلى معايير الأمان وكذلك متطلبات السلامة البيئية، لافتا إلى أن هذا المشروع في الوقت ذاته يعني فتح مجال اقتصادي جديد في تركيا. من جانبه، أشار الرئيس التركي إلى أن هذا المشروع سيوفر للبلاد طاقة كهربائية بحجم يغطي 10 في المائة من إجمالي احتياجاتها، وقال إن تركيا بعد بدء عمل المفاعل النووي ستنضم إلى مجموعة الدول التي تستخدم الطاقة النووية للأغراض السليمة.
ويشكل بدء العمل على بناء محطة «أكويو» مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، جاءت ثمرة سنوات طويلة من المحادثات حول هذا المشروع، الذي تعود بداياته إلى عام 2010، حين وقع الجانبان الروسي والتركي اتفاقية بهذا الخصوص، نصت على أن المحطة تبدأ عملها بعد سبع سنوات من الحصول على ترخيص رسمي من السلطات التركية، وأن الجانب الروسي يملك ما لا يقل عن 51 في المائة من أسهمه، بينما يحق للمستثمرين امتلاك 49 في المائة من الأسهم. إلا أن التنفيذ تأخر بينما واصل الجانبان محادثاتهما طيلة السنوات الماضية.
ويمكن القول إن الإعلان الفعلي عن بدء التنفيذ جاء بالتزامن مع زيارة بوتين الحالية إلى أنقرة، حيث أعلنت السلطات التركية يوم 2 أبريل (نيسان) الجاري عن قرار طال انتظاره، بمنح الترخيص الرسمي الضروري شرطا لبدء التنفيذ، وهو ما شكل تمهيدا قانونيا لوضع حجر الأساس. وفضلا عن منحها الترخيص، أطلقت السلطات التركية على مشروع بناء محطة «أكويو» صفة «مشروع استراتيجي»، مما يعني حصوله على تسهيلات ضريبة تساهم في توفير جزء كبير من التمويل.
وستقوم مؤسسة «روس آتوم» الروسية للطاقة النووية ببناء المحطة بتكلفة قيمتها 20 مليار دولار أميركي، تأمل بتوفير نصفها من المستثمرين.
جدير بالذكر أن تطور العلاقات بين البلدين خلال العامين الماضيين جاء بعد عام تقريبا من القطيعة بينهما، على خلفية أزمة نشبت إثر إسقاط مقاتلات تركية قاذفة روسية في الأجواء السورية خريف عام 2015، حينها قررت روسيا تجميد علاقاتها مع تركيا، شملت بما في ذلك فرض حظر على الصادرات التركية إلى روسيا. وانتهت القطيعة عام 2016 بعد اعتذار الرئيس التركي عن عدم تلك الحادثة، ومنذ ذلك الحين أخذت العلاقات بين البلدين تتطور بدينامية أسرع من السابق. وتشير معطيات الجمارك الفيدرالية الروسية إلى أن ميزان التبادل التجاري بين البلدين سجل عام 2017 نموا بقدر 40 في المائة، وزاد على 22.1 مليار دولار. إلا أن روسيا لم تلغ بشكل تام بعض القيود التي فرضتها على الصادرات التركية، لا سيما الطماطم، مما تسبب بأزمة بين البلدين حول هذا الملف تحديداً.
وبعد محادثات بين الرئيسين الروسي والتركي، أعلنت موسكو العام الماضي إلغاء حظر فرضته على دخول الطماطم التركية إلى السوق الروسية، لكنها وضعت شروطا، حين منحت 14 منتجا تركيا فقط تصريح تصدير، على ألا تزيد الكميات التي يصدرونها إلى روسيا على 50 ألف طن من الطماطم. حينها ردت تركيا بفرض رسوم جمركية على صادرات الحبوب الروسية، ضمن ما أصبح يُعرف لاحقا باسم «حرب الطماطم». ومع أن بوتين وإردوغان توصلا إلى اتفاق خلال محادثاتهما في مايو (أيار) العام الماضي أدى إلى إلغاء الرسوم التركية على صادرات الحبوب الروسية، إلا أن الجانب الروسي لم يلغ حينها القيود على كميات الطماطم التركية. ويبدو أن اللقاء أمس بين الرئيسين التركي والروسي مهد لحل تدريجي لأزمة «ملف الطماطم»، إذ أعلنت وكالة الرقابة الروسية على المنتجات الغذائية، أنها قدمت اقتراحا لوزارة الزراعة التركية، تدعوها فيه إلى توسيع قائمة الشركات الراغبة بتصدير الطماطم إلى روسيا، على أن يتم اتخاذ القرار النهائي بعد زيارة يجريها مفتشون روس للتحقق من جودة إنتاج تلك الشركات.