الباعة المتجولون.. و«السلطات العليا»
قامت بلدية جرمانا مؤخراً بملاحقة الباعة المتجولين وأصحاب البسطات، وعمدت إلى مصادرة بضاعتهم ومنعهم من ممارسة عملهم بسيف القانون وأوامر «السلطات العليا» التي ترى فيهم منظراً غير حضاري يؤثر سلباً على السياحة في بلدنا.
وبالطبع، فإن بلدية جرمانا ومن وراءها من «سلطات عليا» تناسوا المنظر غير السياحي للحاويات الصدئة التي تتناثر من حولها أكياس القمامة والقاذورات في أرجاء المدينة، وتناسوا أيضاً الطرقات المحفرة والريكارات المفتوحة والصرف الصحي سيئ التصريف، وتناسوا انعدام المياه في الكثير من أحياء جرمانا منذ أشهر عديدة، ولاسيما في «حي الجناين»، واضطرار الناس لشراء المياه للشرب والاستعمالات الأخرى من الصهاريج والموزعين... هؤلاء المسؤولون الحضاريون تناسوا كل تلك الظواهر لأنها من وجهة نظرهم ظواهر حضارية تجذب السياحة، وقاموا بقمع الظاهرة الوحيدة غير الحضارية وهي «الباعة المتجولون»، رغم أنها باتت الفرصة الوحيدة، وربما الأخيرة لشريحة واسعة من الناس لتأمين خبز أولادهم، وهي بكل أسف لا تقتصر على مدينة جرمانا وحدها، بل تنتشر في كل المناطق في دمشق وريفها، ويعاني المضطرون للعمل كباعة متجولين من كل أنواع العذاب، بدءاً من تقلبات المناخ، وصولاً إلى ملاحقة شرطة البلديات لهم، حيث ينتهزون الفرص لقبض المعلوم أو مصادرة البضاعة مع البسطة.
ومما يلفت الانتباه انتشار الباعة المتجولين وأصحاب البسطات في وسط المدينة وواجهاتها السياحية، واحتلالهم الأرصفة قرب جسر الرئيس والبرامكة والجسر الأبيض دون أن يعترضهم أحد، كما يُلحظ وجودهم بشكل شبه شرعي في المنطقة الصناعية وعلى طريق المطار، وتحديداً في حي الصبارة على المتحلق الجنوبي، والحريقة، باب توما...إلخ.. فهل هؤلاء مسموح لهم بالعمل، أما غيرهم من غير المدعومين أو مشاركي المتنفذين فمحرم عليهم؟
يقول بعض الباعة في جرمانا: نتمنى أن ينشئوا لنا سوقاً للخضار والفواكه يتجمع فيه جميع الباعة المتجولين، ليكتفوا شرنا ونكتفي شرهم، والمواطن هو أول المستفيدين، حيث يكتفي شر الأسعار السياحية الموجودة بجرمانا»..
ويقول آخر: نحن بالتأكيد لسنا راضين عن وضعنا، فكثير منا أصحاب شهادات وخريجو معاهد وجامعات، ولكننا للأسف لم نجد ما نعمله بعد تخرجنا لانعدام فرص العمل، وبالتالي لجأنا لهذا العمل على مبدأ: «شو جابرك على المر....».
وأخيراً يتبادر لأذهاننا سؤال؟ إذا كان القصد من المنع والملاحقة هو المنظر السياحي غير اللائق، فلماذا تقوم البلدية بعد مصادرة بضائع الباعة المتجولين وأصحاب البسطات والعربات بالمصالحة عليها بدفع المخالفين مبلغاً من المال مقابل استردادها؟