إعداد: حكمت سباهي إعداد: حكمت سباهي

مكافحة الفساد بالاتجاه المعاكس

وعدت «قاسيون» قراءها بأن تتابع ملف العاملين الشرفاء المصروفين من الخدمة، في ظل مماطلة وتسويف واضحين من الجهات المعنية في فتح أي تحقيق بموضوع هؤلاء، ربما لأن النتيجة ستكون واضحة للجميع بأن مكافحة الفساد تجري بالاتجاه المعاكس، وأن وزارة العدل لم يعد لها علاقة بالعدل، وأن المظلوم يجب أن يبحث عن العدالة في وطن آخر، أو في زمن مضى، مع مجيء خيرات الاستثمار والإصلاح والتنمية واقتصاد السوق!!

ولكن الملفت للنظر ليس فقط مسألة المماطلة والتسويف والتهرب من تحمل المسؤولية أو حتى تحميلها لأي شخص كما تجري العادة، بل الملفت هو استمرار صدور مثل هذه القرارات، وصرف العاملين بالدولة بالجملة دون أن يتوقف هذا المسلسل، أو ينظر مخرجوه إلى الوراء، وإلى نتائج ما اقترفت أياديهم الملوثة بقطع أرزاق عائلات هؤلاء العاملين الشرفاء.

لقد بدأت القضية تثير تساؤلاً عفوياً ومبرراً لدى البعض، مفاده: هل هناك خطة غير معلنة ينفذها الفريق الاقتصادي، عن طريق لجنة الصرف من الخدمة، واستناداً لتوجيهات الثالوث المتشيطن (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية) وتقضي بتخفيض عدد العاملين بالدولة إلى النصف، للوصول إلى تخفيض كتلة الرواتب والأجور وعجز الموازنة؟! من المعروف أن المسؤولين عن هذه القرارات هم إداريون خائفون ومترددون يريدون الاحتفاظ بمناصبهم دون تحمل مسؤولية اتخاذ قرار قد يثير نقمة بعض المتنفذين عليهم، ولو كانت النتيجة تشريد عشرات العوائل من ذوي العمال الشرفاء الذين تم دس أسماءهم بين بعض الفاسدين الذين يستحقون ليس الصرف من الخدمة فقط، بل إنزال أشد العقوبات بهم بسبب فسادهم وإفسادهم. ومن سخرية القدر أن لقاءنا اليوم سيكون مع  عاملين سابقين في مديرية مالية حلب، كانا يسعيان طوال مدة خدمتهما لزيادة موارد الخزينة، فهل يعلم الثالوث المتشيطن بذلك؟ نأمل ذلك!! 

السيد نائل خياط حدثنا عن مأساته الإنسانية قائلاً:

تم تعييني في مديرية مالية حلب عام 1986 بموجب مسابقة على أساس الشهادة الثانوية العلمية، ثم حصلت على إجازة جامعية من كلية الاقتصاد قسم المحاسبة عام 2004، وتقدمت بطلب لتعديل وضعي من فئة ثانية إلى فئة أولى، وذيل الاقتراح بحاشية: «مع اقتراح الموافقة كونه من العناصر الجيدة» وذلك من رئيس دائرتي، ومن رئيس قسم الدخل (معاون مدير المالية)، وتمت الموافقة على الاقتراح من الدكتور أحمد زهير شامية مدير المالية، وصدر القرار رقم 314/و من وزير المالية بتاريخ 9/2/2005 بتعديل وضعي إلى الفئة الأولى، وبعد ذلك قام مدير المالية بترشيحي لاستلام رئاسة لجنة التصنيف بمالية حلب (بعد انتقائي من بين عدة عناصر كفوءة ونزيهة، وبعد عدة ثناءات من الإدارة) وصدر قرار عن وزير المالية بتسميتي رئيس لجنة تصنيف، وقد قمت بعملي على أكمل وجه ودون أي تقصير، أو أية شكوى بحقي، أو ملاحظة شفهية أو كتابية من رؤسائي، وفجأة ودون أي تحقيق أو مخالفة صدر قرار رئيس الوزراء المشؤوم بصرفي من الخدمة في نهاية عام 2005، وقد تبلغت القرار بدهشة مترافقة مع الحسرة والألم.

فهل من المعقول أن أتحول فجأة، وبعد 19 سنة من الخدمة بالدولة، من عامل كان تقييمه على الدوام جيداً جداً إلى إنسان فاسد، تتناول نبأ صرفه من الخدمة وسائل الإعلام تحت عنوان مكافحة الفساد... إنها فعلاً مهزلة بامتياز.

ويضيف السيد نائل خياط قائلاً: إن أسباب هذا القرار هي الغايات الشخصية وتصفية الحسابات التي تجعلنا أقزاماً أمام حقد الآخرين وجشعهم، وتجعلهم أرباباً لمعاشنا وحياتنا وقوت عيالنا، مما يؤدي في النهاية لمحو ذكرى سنوات طويلة مليئة بالجد والالتزام، وتحويلها إلى ركام من الماضي لا يستحق حتى الشفقة!!...... لقد أصبحت تحت رحمة الظالم أحمد زهير شامية ومن قام بتضليلهم لطردي من الوظيفة دون تحقيق ودون أي ذنب اقترفته. ويبدو أن حب الوطن قد أصبح جريمة، والعمل ضد الابتزاز صار تهمة جاهزة، ومصلحة الخزينة تداس تحت الأقدام من مدير مالية حلب وأصدقائه المقربين، فلقد ضغطوا عليَّ بكل الوسائل من أجل إنشاء تكليف مالي لهم يلائم مصالحهم، ويحرم خزينة الدولة من ضرائب مستحقة عليهم، ومن هؤلاء على سبيل المثال: المحاسب القانوني ويس ويس، والمكلف عبد الرزاق درويش (صانع حقائب)، والمكلف سمير كفر تخاريمي (بائع ألبسة)، وغيرهم ممن كان مدير المالية يتدخل شخصياً لتخفيض الضرائب المتوجبة عليهم قانوناً، وعندما كنت أطبق القانون كنت أجابه بالتهديد العلني من هؤلاء أمام زملائي بأنهم لن يبقوني في وزارة المالية، وقد حققوا فعلاً ما وعدوني به، وقاموا بصرفي من الخدمة استناداً لاقتراح صديقهم الوفي أحمد زهير شامية وبتأييد من وزير المالية.

وفي الختام أشكر قاسيون على إتاحة الفرصة لي  لعرض مشكلتي على الرأي العام، لعل أحد المتنفذين الشرفاء في هذا الوطن يسعى لإنصافي من الظالمين، ورد اعتباري. 

أما العامل السابق أحمد حومد فقد أفادنا بما يلي:

تم تعييني في مديرية حلب عام 1999، وباشرت عملي بدائرة تجارة العقارات منذ ذلك الحين ولغاية 2/1/2006، حيث تبلغت مضمون قرار رئيس الوزراء رقم 6867ى بتاريخ 26/12/2005 الذي قضى بصرفي من الخدمة مع العشرات من زملائي، دون أي سبب يتعلق بي، أو أي تحقيق من أي جهة كانت، علماً بأنني كنت أقوم بعملي على أكمل وجه، وبكل أمانة وإخلاص، ولا توجد أية عقوبة تذكر بحقي، وكان قرار صرفي مفاجأة وبمثابة قرار إعدام، ناهيك عن تلطيخ سمعتي وسمعة عائلتي. إنه قرار مجحف وظالم، ولا يمكن أن يصدر استناداً لاقتراح لجنة برئاسة وزير مسؤول عن تحقيق العدل في سورية!! حيث لا يوجد عدل في وضع اسمي مع بعض الفاسدين إن وجدوا، بل هو الظلم بعينه ولا شيء سواه.

 لقد سدت جميع الأبواب في وجهي، بعد أن قدمت أكثر من كتاب تظلم لرئيس الوزراء، ومحافظ حلب، ولجنة الصرف من الخدمة، ولكن دون جدوى، وبجواب واحد: «للحفظ»، فهل يعقل أن يتحول مصيري ومصير عائلتي إلى لعبة بيد مدير مالية حلب السابق أحمد زهير شامية، الذي يستطيع تضليل الجهات العليا بالدولة، بما فيها رئاسة الوزراء. وهل من المعقول أن لا أجد مسؤولاً واحداً ينصفني من الظلم في كل هذا الوطن المسمى سورية، إن الأمور تجري بشكل اعتباطي وغير عقلاني، وتنذر بكوارث اجتماعية كبيرة، فأنا وكثير من زملائي لم نقترف أي ذنب حتى يصدر بحقنا مثل هذا القرار، ولا أدري كيف سأثبت براءتي من الفساد أمام المجتمع، بعد أن وقف القضاء بوجهي، ورد الدعوى التي قمت برفعها أمام محكمة البداية العمالية بحلب، وقد قال لي القاضي علي العيسى صراحةً بأنه على يقين من براءتي، ولكنه لا يستطيع أن يحكم بإلغاء القرار لأنه يخاف على مصيره، فمن الممكن أن يصرف من الخدمة على يد وزير العدل جزاءً له على إلغاء القرار.

فبالله عليكم، أين استقلال القضاء الذي درسناه في كلية الحقوق، والمنصوص عليه بالدستور، الذي تعتبر حمايته واحدةً من أهم مهام وزير العدل...؟!

لقد وقعت ضحية لعملية محاربة الفساد، دون أن يقف أحد معي، رغم ما يقال بأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، وإنني الآن أتساءل: هل تحول الجميع في وطني الحبيب سورية إلى شياطين؟ أم أنهم أصبحوا صماً بكماً لا يفقهون؟

إن مصيبتي كبيرة، فعلى الرغم من أني خريج كلية الحقوق وقف أصحاب شعار «الحق والعروبة» ضدي، وأعني نقابة المحامين بحلب، حيث رفضوا تنسيبي للنقابة بسبب صرفي من الخدمة، بالرغم من أن مدير المالية وافاهم بكتاب رسمي بعدم وجود سبب لصرفي من الخدمة، فأين الحق ؟ وأين أصحاب العروبة؟... إنها شعارات بلا قيمة، لأنهم انتهكوا كرامتي، وحقي بالعمل، المنصوص عليه في الدستور السوري، الذي لم يطلعوا عليه حتى الآن على ما يبدو!!!

ومن الجدير ذكره بأنني وزملائي راجعنا وزارة المالية من أجل الوقوف على سبب صرفنا من الخدمة، وبعد لقائنا مع السيد محمد خضر السيد أحمد كانت الإجابة «لايوجد شيء عندنا بحقكم، أذهبوا لعند الذي صرفكم»!!! إنه أسلوب الإدارة بالمماطلة والتسويف الذي يجيده كثير من مسؤولينا، للتهرب من المسؤولية وإلقائها على الآخرين بدلاً من إيجاد الحل للمشاكل.

وأخيراً كل الشكر للقائمين على جريدة قاسيون لوقوفهم إلى جانب قضايا العمال والفلاحين.

كلمة عتب لابد منها:

من المعلوم فقهاً ودستوراً بأن الحكومة الحالية بمجرد إعادة انتخاب السيد الرئيس بشار الأسد رئيساً للجمهورية أصبحت حكومة تسيير أعمال، وذلك لحين تشكيل حكومة جديدة طال انتظارها من الشعب، ومن المعلوم أن صلاحية حكومة تسيير الأعمال تشابه صلاحية الحكومة المستقيلة ولا يحق لها أن تتخذ قرارات هامة مثل قرار رفع الدعم ( ودون استفتاء شعبي)، أو إبرام معاهدات دولية، أو تسريح موظفين، وبالرغم من كل ذلك تتصرف الحكومة وكأنها حكومة أصيلة وباقية للأبد، متجاهلة الدستور والأعراف الدستورية.

والمستغرب أن كل ذلك يجري في ظل صمت مطبق من المحكمة الدستورية، التي لا نعلم ماذا يفعل قضاتها خلال أوقات الدوام، ولا نسمع بصدور أي حكم عنها.

آخر تعديل على الأربعاء, 30 تشرين2/نوفمبر 2016 00:24