المرسوم (49).. ملاحظات أولية..

صدر في العاشر من شهر أيلول 2008 المرسوم 49 الهادف إلى تنظيم التملك في المناطق الحدودية، وهو يقضي بعدم تسجيل أي عقار، أو منح إقرار المحكمة لجميع العقارات سواء كانت ذات صفة زراعية أو بناء سكني أو تجاري إلا بعد الحصول على الترخيص القانوني، والترخيص (القانوني) يتطلب تقديم طلب إلى مديرية المصالح العقارية في المحافظة أو ديوان المحافظة، ثم يحال إلى الإصلاح الزراعي وقيادة الشرطة، ومن ثم إلى وزارة الداخلية، ومنها إلى وزارة الدفاع، بعدها يحال الطلب إلى الجهات الأمنية للتحقيق، ومن ثم الإعادة إلى وزارة الدفاع، وفي حال الموافقة أو عدمها يحال الطلب إلى وزارة الداخلية لإصدار القرار النهائي، ويحال منها إلى مديرية المصالح العقارية  في دمشق التي تحيل الإضبارة إلى ديوان المحافظة أو ديوان مديرية المصالح العقارية في المحافظة، وفي حال الموافقة تراجع الأطراف المعنية للتسجيل، وفي حال عدمها.. وبعد انتظار سنة كاملة كحد أدنى، يُتقدم بطلب جديد ليدخل الدوامة مرة أخرى.. ومعروف أن البيروقراطية والروتين قائمان ضمن أغلب الجهات الآنفة الذكر، وبالتالي يمكن تقدير كم ستتعقد الأمور، وكم ستزيد معاناة المواطنين لتسجيل عقاراتهم.

ولما كانت مساحة محافظة الحسكة كلها، تعد منطقة حدودية بموجب المرسوم 1360 تاريخ 11111964، فإن الأكثر تضرراً من هذا المرسوم هم أبناء محافظة الحسكة، ليس أولئك الذين لهم دعاوى فحسب، بل قطاعات جماهيرية واسعة، فحركة البناء ستتوقف، مما سيؤدي بانحدار معظم العاملين في ورش البناء المختلفة إلى جحيم البطالة المتفشية أصلاً في المحافظة، وسيوقف عملياً عمليات البيع والشراء، فكل عملية بيع بعد صدور هذا المرسوم لا تضمن حقوق المشتري قانونياً، ويستطيع البائع البيع لأكثر من جهة، وهذا ما سيخلق مشاكل اجتماعية، ناهيك عن تفاقم أزمة السكن.
إن ممارسات السنوات السابقة في هذا المجال حتى إصدار هذا المرسوم، أدت إلى تراكم ما يقارب من 30000 معاملة في وزارة الدفاع للحصول على الموافقات، مع العلم أن العقارات التي كانت ضمن المخطط التنظيمي كانت مستثناة من الموافقات، فكيف الآن بعد أن شملها المرسوم؟
السؤال الذي يطرح نفسه هنا من المستفيد من هذا المرسوم، وهل سيساعد توقيت إصداره في حل المشاكل المتراكمة منذ عقود وخاصة في محافظة الحسكة؟.
إن واقع الحال يقول جملة حقائق، ومنها أن المرسوم سيضر بمصالح كل أبناء المحافظة التي تعاني من جملة قوانين استثنائية تعود إلى فترة حكم الانفصال الرجعي في بداية الستينات من القرن الماضي، على أرضية التركيب القومي للمحافظة (قانون الإحصاء الجائر واستمراره نموذجاً). إن أية تعقيدات إضافية على المشكلات الموجودة أصلاً، ستلحق  الضرر ليس فقط بمصالح  المواطنين الأكراد، بل ستضر بالوحدة الوطنية قدس الأقداس. وعلى هذا الأساس، نطالب بتعديل المرسوم لجهة تسهيل وتسريع معاملات المواطنين وليس تعقيدها، ولجهة قطع الطريق على جميع القوى المعادية التي لا هدف لها إلا زعزعة الوحدة الوطنية في هذا الظرف الدقيق دولياً وإقليمياً وداخلياً.
إن السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة في المحافظة، مع ما رافقها ويرافقها من تدمير للقطاع الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي، وعدم الاهتمام بالعملية التنموية على مدى عقود، وتدني مستوى الخدمات، والغلاء الفاحش لأسعار مواد الاستهلاك الشعبي، وتفاقم البطالة والهجرة.. كل ذلك يخلق شعوراً عاماً بالغبن والظلم لدى عموم أبناء هذه المحافظة التي هي مصدر أساسي لأهم الثروات الإستراتيجية في البلاد.
إذا كانت المحافظة حدودية فإن المنطق يتطلب أن تولى المزيد من الاهتمام، فالمحافظات الحدودية في أي بلد من العالم هي واجهة البلاد، مما يتطلب اهتماماً استثنائياً بها، لاسيما وأن أبناء محافظة الحسكة كانوا على الدوام، ومنذ أيام الاحتلال الفرنسي، مشاركين في كل معارك النضال الوطني، وساهموا بقسطهم في جميع المعارك الوطنية التي خاضها شعبنا.