المقامرة بما نملك.. ولكن لا قرار!!!
حين نقول إن هناك تخبطاً في اتخاذ القرار، يعني أن قراراً ما يتم اتخاذه، ولكن الواقع هو مجرد شعارات وآراء وارتجال، دون خطوات جدية تؤهل أصحاب الحل والربط لاتخاذ قرار.. أي قرار.!
في كانون الأول الماضي أعلن برنامج التحديث والتطوير الصناعي في سورية عن أسماء 33 شركة خاصة وثلاث شركات عامة، تعمل في قطاع الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، لتطويرها وتحديثها. ومن الشركات العامة، شركة زنوبيا وشمرا، شركة الألبسة الجاهزة (وسيم)، والشركة الخماسية.
عند الإعلان قال المنسق الوطني للبرنامج: «إن اختيار ثلاث شركات عامة كنموذج يمكن أن يُحتذى في إصلاح القطاع العام». في حين يقول مدير عام المؤسسة العامة للصناعات النسيجية: «الشركات العامة التي قبلت في البرنامج هي شركات كبيرة، مع أن البرنامج لدعم الشركات والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، ولو أخذنا الشركة الخماسية بحجم عملها، وجدنا أنها توازي 15 شركة من الشركات الأخرى».
ويتابع مدير المؤسسة: «بالرغم من العراقيل والأمور الروتينية والبيروقراطية التي تحد من عمل الشركات الثلاث التي قبلت لتنفيذ البرنامج وأية مشكلة ستعترضها سنقوم بالمساعدة والعمل على حلها وإيصالها إلى الجهات الوصائية إن كانت تحتاج إلى قرار منها».
برنامج التحديث هو برنامج معونة فنية متعدد الأطراف بين وزارة الصناعة ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية «يونيدو» ومؤسسة التنمية الصناعية الإيطالية. ويهدف البرنامج، كما تقول الجهات الوصائية في سورية، إلى تعزيز القدرة التنافسية للصناعة السورية، ومواجهة التحديات التي تنشأ نتيجة انفتاح الأسواق. والمنحة من الحكومة الإيطالية 2.2 مليون يورو.
التخبط في اتخاذ القرارات
بعد ذلك، وفي تموز الماضي تحديداً، وضعت وزارة الصناعة ضمن استراتيجياتها حتى عام 2015 ضرورة إيقاف بعض الشركات المتعثرة ومنها: الألبسة الجاهزة (وسيم)، وزنوبيا وشمرا.
والسؤال الذي يطرح نفسه:
كيف يتم الإعلان عن (زنوبيا وشمرا) و(وسيم) ضمن برنامج التحديث والتطوير الصناعي، وبعد ستة أشهر تعلن وزارة الصناعة عن إيقاف شركات عديدة في قطاع الغزل والنسيج ومن بينها (وسيم) و(زنوبيا وشمرا)؟. هنا نفهم ليس التخبط في اتخاذ القرار، ولكن اللاقرار. هناك هروب وشعارات وارتجال وندوات ومِنَحٌ تُقدَّم، ولكن للجيوب، وليس للتطوير والتحديث.
عمر الحلو رئيس الاتحاد المهني للغزل والنسيج قال حول واقع قطاع الغزل والنسيج: «القطاع العام يسهم في تمويل خزينة الدولة إسهاماً مباشراً، فالضريبة التي تجبيها الدوائر المالية منه لا تقل عن 81 % سنوياً، لأن القطاع العام لا يمكن أن يتهرب ضريبياً، رغم أن القطاع العام الصناعي يئن تحت وطأة السياسات الاقتصادية والإدارية التي ستؤدي في المحصلة إلى موته، وأيضاً بسبب عدم دعمه بالمصادر المالية، وإرباكه بالمديونية والتشابكات، وهنا أقول: من خلال مناقشة الخطة الاستثمارية للمؤسسة العامة للصناعات النسيجية تبين أن الخطة الاستثمارية لعام 2009 قد رصدت مبلغ 575 مليون ل.س فقط. هنا نسأل: هل هذا الرقم يكفي لتنفيذ عمليات استبدال وتجديد خطوط إنتاجية لشركات قطاع الغزل والنسيج؟! هذا القطاع الهام تُرِك لمصيره، وسوف يبقى أبنية وآلات قديمة وعمالاً يعانون ما يعانون».
ويتابع الحلو قائلاً: نشرت الصحف مؤخراً اقتراحات بإيقاف الشركات المتعثرة حيث قالت إن وزارة الصناعة وضمن إستراتيجيتها حتى عام 2015، رأت ضرورة إنتاج الغزول القطنية والغزول الممزوجة والممشطة حسب الطلب، والتركيز على صناعة النسيج. واقترحت الوزارة ضرورة إيقاف بعض الشركات المتعثرة وخاصة حمص للغزل والنسيج والصباغة، وعدد عمالها 450 عاملاً، وشركة النايلون والجوارب وعدد عمالها 450 عاملاً، ونسيج اللاذقية وعدد العمال 1200 عامل، والصناعية للملبوسات وعدد العمال 515 عاملاً، وسجاد حلب عدد العمال 500 عامل، والألبسة الجاهزة وسيم عدد العمال 800 عامل، السورية للغزل والنسيج عدد العمال 750 عاملاً، الأهلية للغزل والنسيج عدد العمال 50 عاملاً، العربية للملابس الداخلية عدد العمال 200 عامل. تسع شركات عدد عمالها 5365 عاملاً، وكل عامل يعيل وسطياً أسرة مؤلفة من أربعة أفراد، أي: 5365 × 4 = 21460 شخصاً، ما هو مصير هؤلاء؟!!». هكذا تساءل رئيس الاتحاد المهني للغزل.
خسارات.. ولكن
منذ أشهر ولا حديث للجهات الوصائية إلا عن خسارات قطاع الغزل والنسيج، خسارات وصلت إلى أكثر من 15 مليار ل.س. وتعزى الأسباب إلى عمالة زائدة وارتفاع في تكاليف المنتج النهائي، انخفاض نسبة تنفيذ الخطط الإنتاجية في معظم الشركات، ارتفاع أسعار الأقطان، وجود بطالة مقنعة، المنافسة الشديدة في الأسواق المحلية والعالمية وعدم وجود دعم للصادرات، نقص الخبرات الفنية، وارتفاع حصة الاهتلاكات.
جملة هذه العوامل قد تكون واقعية فعلاً، ولكن القضية الأبرز، والتي يتم تجاهلها قضية الفساد الإداري والخلل الإداري في قطاع الغزل، وفي غيره من القطاعات الصناعية.
عروض وصفقات:
منذ أن أقيم القطاع العام وهو بقرة حلوب لمدراء تواكبوا على الشركات والمؤسسات، لمكاتب سمسرة تجارية في المواد الأولية، أو في القطع التبديلية، أو في تحديث الخطوط، والفساد الأكبر في التسويق. وكل شركة من الشركات تعمل وفق خطتها السنوية.. وكل شركة معزولة عن الأخرى، وحتى في القطاع الواحد، وهذا الأمر أدى إلى فساد وإفساد ورشاوى وهدر. وفي إحصائيات رسمية، تبين أن الهدر والارتفاع في أسعار العقود المبرمة، أدى إلى زيادة في الأسعار بلغت 40 %، وهذه النسبة هي خسارة للقطاع العام منذ إنشائه وحتى الآن. هذه القضية لم تلحظها الجهات الوصائية عندما تتحدث عن واقع القطاع العام وأسباب خسارته وانهياره.
التساؤل المشروع
إذا كانت الجهات الوصائية تريد بقاء القطاع العام واستمراره، كما تقول التصريحات، لماذا لا تعامل شركات القطاع العام وفق قانون الاستثمار؟! لماذا لا تعطى الصلاحيات والميزات والإعفاءات المعطاة للشركات المحدثة، لإنهاء التشابكات المالية وإلغاء الديون والخسائر وتسديد كامل رؤوس الأموال بعد إعادة تقييم الشركات وإعادة تأهيلها؟! لماذا لا يكون هناك تكامل في المراحل الإنتاجية، وأن يجري إصلاح إداري حقيقي؟.
هل هذه المطالب بحاجة إلى معونة أوروبية أو خبراء من الخارج، أو عقد ندوات وورش عمل ومؤتمرات؟!
شيء محزن المقامرة بالوطن من خلال اقتصاده!!!!