كيف أصبحت شيوعياً؟

ضيفنا لهذا العدد الرفيق القديم عبد الله عبد القادر جوهر

الرفيق المحترم عبد الله كيف أصبحت شيوعيا؟

أنا من مواليد  مدينة طرطوس عام 1931 في عائلة شعبية تقيم في حي البرانية،  وهو الحي الرئيسي والأوسع في المدينة، وفيه ترعرعت، وقد أتاحت لي الظروف حينها فرصة التعرف على شباب أكبر مني سنا يتسمون بصفتين رائعتين أعجبت وتأثرت بهما، ألا وهما الرجولة والثقافة، ومن هؤلاء الشباب الرفاق نعمان ثابت وعبد الكريم طيارة وعبد الله الضابط وعبد الحميد حصيني وعبد الرؤوف جوهر وأحمد حربا وكانوا ناشطين ومعروفين في الوسط الاجتماعي بطرطوس، وهذا ما جعلني أنجذب نحو صفوف الحزب الذي رأيت فيه المعبر الحي عن حب الوطن وآمال الشعب في التخلص من الحرمان والاستغلال وفي بناء المجتمع الحر السعيد، فتقدمت بطلب الانتساب إليه، وجرياً على أصول الترشيح لدخول الحزب في ذلك الوقت كلفت ببعض المهمات على سبيل الاختبار خلال فترة الترشيح، ومن هذه المهمات نقل المطبوعات من مدينة طرابلس إلى طرطوس، تلك المهمة التي تستدعي الجرأة والسرية وشدة اليقظة، وحسب التعليمات ركبت سيارة عابرة باتجاه الحدود اللبنانية، وهناك نزلت قريباً من النهر لأخوض فيه مشيا على الأقدام لمسافة طويلة إلى أن وجدت على الطريق  سيارة متوجهة إلى طرابلس، فركبت بها، وفي طرابلس استدللت على مكتب الحزب الشيوعي، ووجدت هناك الرفيق بدر مرجان، وفي المكتب تعرفت على رفيق شدني جداً بحديثه وشخصيته، وقد عرفت فيما بعد أنه الرفيق نيقولا الشاوي، وبعد تنفيذ المهمة بنجاح قبل طلب انتسابي للحزب، وأصبحت شيوعيا عام 1951.

بدأت حياة حزبية حافلة بالنشاطات والعمل الذي لم بعرف الراحة في كل مجالات النضال الوطني والطبقي والحزبي، ومن ذكريات تلك المرحلة ذكرى كتابتنا عام 1953 لعرائض نحتج فيها ضد سياسة الشيشكلي الديكتاتورية، ونقوم بجمع التواقيع عليها، وكذلك توزيع المنشورات، وقد اصطدمنا مع رجال الدرك، ودخلت السجن لمدة 15 يوماً، وعلى الرغم من الفقر الذي كان سائداً، وعلى الرغم من الملاحقات التي كثيرا ما تعرض لها الرفاق من عناصر الدرك والقوى الرجعية، بقيت الخصلة الطيبة التي يتحلى بها الشيوعي، ولم يفقدها طيلة حياته وهي الدفاع عن المظلوم والمحروم والإسراع لمساعدة المحتاج وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بحياة الأطفال والأمهات. وأذكر مرة أن امرأة فقيرة أدخلت عيادة طبيب للولادة وكانت تكلفة الولادة مائة ليرة سورية، وزوجها لا يملك منها ليرة واحدة، ولما علمنا بالأمر كلفت بجمع المبلغ من الرفاق لضمان سلامة الأم وسلامة وليدها، وخلال ذلك اليوم جمعت مبلغ مائتين وخمسين ليرة، وتوجهت إلى الطبيب وقلت له هذه مائة ليرة أجرة الولادة، وحين جاء زوجها أخبره الطبيب أن  فلانا من الشيوعيين دفع أجر عملية الولادة، وعندما جاءني ليشكرنا قدمت له بقية المبلغ المجموع مائة وخمسين ليرة وطلبت منه أن ينقفها على أسرته، وليس على ارتياد المقاهي، وفي اليوم التالي جاءني ليقول: هل تقبلوني في حزبكم؟ فأجبته: نحن نقبل من يأتي للتضحية وليس الذي يريد أن يتكسب. ومن الذكريات أيضا ذكرى ذهابي مع الرفاق محمد حاج وعبد اللطيف نداف وعبد القادر منصور وأحمد حربا إلى جزيرة أرواد في عهد الرئيس شكري القوتلي لجمع تبرعات لشراء السلاح لجيشنا الوطني، وفي الجزيرة بدأ الرفيق أحمد حربا يصيح بأعلى صوته في طرقات البلدة ليحث السكان على التبرع، فكانوا يسارعون بتقديم تبرعاتهم، ورغم خصوصية أرواد الاجتماعية كانت النسوة يقفن على النوافذ وفي الشرفات وبعضهن يزغردن مرددات «دوس يا أحمد دوس .....بضباطك نقطع روس»..

ومن صفحات الماضي كذلك، ذكرى تعرفي خلال فترة خدمتي في سرية الفرسان (الخيالة) في الجيش على عدد من الرفاق منهم الرفيق يوسف فيصل، وعندما زرت الرفيق خالد بكداش في بيته وجدت في زيارته ثلاثة ضباط أعرفهم، لكني  أدرت وجهي عنهم، وحين سألني الرفيق خالد: هل تعرفهم قلت: لا أعرفهم!.

إنني اليوم وأنا في هذا العمر أعمل مع ولدي في ورشة لحدادة مقصات السيارات بالمدينة الصناعية في طرطوس، ويمكنني القول إنني لم أجتمع في حياتي مع شخص يملك نبالة الفرسان إلا وقلت يجب أن يكون شيوعيا. ولا أستطيع أن أصدق أن شيوعياً لا يملك هذه النبالة، لكن الذي آلمني ويؤلمني اليوم هو حالة التمزق التي وصلنا إليها. وأكبر حلم عندي أن أشاهد الحزب قويا موحداًً حتى عندما أغمض عيني أقول لقد (خلّفنا)، وكأنني أسمعهم يقولون رحمه الله (من خلف ما مات)..