يوسف البني يوسف البني

في مدينتَي «داعل» و«إزرع»: فساد بالجملة واستهتار كبير بالخدمات للمواطنين

مثلها مثل معظم المدن والبلدات في أحزمة الفقر في سورية، تعاني مدينة داعل في محافظة درعا من انعدام الاهتمام بالخدمات العامة، إلى جانب الفساد المنظم الذي يُمارَس عن طريق عقود ومواثيق رسمية، يجري التلاعب بها والاستتار خلفها.

كانت لـ«قاسيون» جولة في مدينة داعل، واستمعت لشكاوى المواطنين حول كثير من القضايا، منها التنفيذ السيئ لمشروع طريق محطة المعالجة، الواصل من طريق عام دمشق درعا إلى محطة معالجة مياه الصرف الصحي، والذي نفذ من متعهد في عام 2005. وجرت العادة في المشاريع التي يتم تنفيذها من متعهد، أن يكون هناك لجنة تقدم الدارسة الفنية والمواصفات المطلوبة، ولجنة تشرف على التنفيذ والاستلام.

تم الاستلام البدائي للطريق عام 2005 من اللجنة المختصة، وبعد أقل من شهرين بدأت الحفر والتموجات والانتفاخات تظهر في الإسفلت، علماً أن السيارات التي تمر عليه قليلة وغير ثقيلة الوزن، وسبب هذا الخراب أحد احتمالين: إما الدراسة الفنية كانت غير صحيحة وغير كافية، أو أن تنفيذ التسوية والدحل والرصف بالحصى وطبقة الأساس وبقايا المقالع لم تكن بالمواصفات المطلوبة، والخلل في ذلك إما النوعية أو بالسماكة اللازمة.

تم استلام الطريق استلاماً بدائياً ووافقت اللجنة المشرفة على ذلك، واستلم المتعهد قيمة التعهد وفي القانون يبقى له التأمين النهائي الذي يستلمه عند التسليم النهائي للمشروع، أي بعد مرور سنة على تنفيذه... هذه المبالغ لم يطالِب بها المتعهد، ولم يظهر بعد الاستلام البدائي، وكان يجب أن يتم التسليم النهائي عام 2006، ولكنه يعلم أن المبلغ المتبقي له أقل كثيراً من التكاليف التي سيضطر لدفعها لإصلاح الطريق، فلماذا لا تطالبه الجهة العامة صاحبة المشروع، بالتسليم والالتزام بالإصلاح والتنفيذ حسب الشروط والمواصفات؟!!

نحن نتكلم عن انزعاجنا من الخراب الحاصل في الطريق لعدة أسباب، أولها أننا اصحاب الأراضي والعقارات على جانبي الطريق، والتي يجب أن يُخَدّمها بشكل صحيح، وثانياً بصفتنا مواطنين نحبُّ بلدنا وعلينا أن نفضح الفساد والغش المنتشر في تنفيذ المشاريع التابعة للدولة من المتعهدين، وثالثاً لأن هذا المتعهد قد أخذ قيمة المشروع من أموالنا ومن مستحقاتنا ومخصصات مشاريعنا الضرورية الأخرى، حتى لو لم ندفعها بشكل مباشر.

خيار وفقوس عند ضعاف النفوس

أحد المواطنين تساءل: لماذا تُزال مخالفات المواطن الفقير الذي يبني غرفة ليستر بها عياله، حتى لو كان خارج التنظيم، بينما لا تُزال مخالفات الواصل والمقتدر مادياً، والذي له علاقات مشبوهة، وخاصة مع «الكبار»، رغم وجود قرارات بإزالتها؟! وهذا ما حدث مع أحد سكان الحي الغربي وقد أزيلت الغرفة التي بناها بعد أقل من ساعتين على إنشائها، ودون قرارات وكتب رسمية، بينما لم تزل محطة محروقات داعل التي أُنشئت أساساً دون ترخيص، ثم تجاوزت بعد ذلك على الأملاك العامة وحرم الطريق الرئيسي، وحتى على الحدود المساحية للطريق نفسه. حيث أقام صاحب المحطة قباناً أرضياً في وسط الطريق المساحي، وأزال كثيراً من الأشجار في المنطقة الخضراء من حرم الطريق، وأقام فيها منصات لمحركات الضخ، وتساءل جميع سكان المنطقة كيف وصل البناء إلى هذه المرحلة دون ترخيص؟! ولماذا لم يتم توقيفه؟!! 

كيف جرى التعامل مع الموضوع رسمياً؟

صدر عن محافظ درعا الدكتور فيصل كلثوم الكتاب رقم 622س/10/6 إلى مجلس مدينة داعل وفرع المواصلات الطرقية، يتضمن إزالة المخالفات المرتكبة من صاحب محطة محروقات داعل خلال ثلاثة أيام، ولكن مجلس مدينة داعل لم ينفذ إزالة المخالفة بالشكل الصحيح، واختلفت اللجنة على شكل الإزالة، فتقدم شرطي البلدية المرافق للجنة الإزالة بكتاب يعلم البلدية بعدم التنفيذ كما ورد في كتاب المحافظ، ما أدى إلى إرسال كتاب تأكيد من المحافظ إلى مجلس مدينة داعل برقم 683س/10/6 بتاريخ 30/7/2008، والذي يقول:

«إلى مجلس مدينة داعل، إلى فرع المواصلات الطرقية: يطلب إليكم تنفيذ مضمون كتابنا رقم 622س/10/6 والمتضمن إزالة المخالفات المرتكبة من صاحب محطة محروقات داعل، والواردة في مقترح اللجنة المشكلة من قبلنا، وإعلامنا التنفيذ خلال 24 ساعة، مع التوثيق بالصور قبل وبعد التنفيذ، تحت طائلة المساءلة القانونية والمسلكية».

وقد حضرت «قاسيون» إلى موقع المخالفة بتاريخ 5/8/2008 وتبين أن الجزء الذي تمت إزالته بعد الكتاب الثاني هو فقط الجزء الواقع ضمن الحدود المساحية للطريق، (المربع رقم 1)، وليس كل المخالفة، وليس على الأقل الجزء الواقع ضمن المنطقة الخضراء من حرم الطريق، (المربعات 2،3،4) من المخطط المرفق. 

تنفيذ مبتذل على حساب احتياجات أخرى

أحد المواطنين من مدينة داعل يتساءل: لماذا ينفذ مجلس المدينة مشاريع غير ذات قيمة خدمية وبتكاليف عالية قد يتجاوز أحدها 1.5 مليون ل.س، بينما هناك تجاهل كبير لقضايا خدمية ومطالب هامة وملحة كثيرة لم تنفذ؟ مثل شكوى المواطنين المجاورين لمكب النفايات، من الأضرار التي تلحق بمحاصيلهم الزراعية من قمح أو زيتون، نتيجة الأوساخ المتناثرة، وأكياس النايلون التي تتطاير من المكب، علماً أن هناك قراراً بتسييجه، ولكن لم يتم حتى الآن رصد ميزانية لذلك، مع أن المكب يؤذي الجوار منذ أكثر من خمس سنوات. 

في مدينة إزرع فساد مشابه

في مدينة إزرع حدثنا عدة مواطنين عن قضايا مشابهة لما في مدينة داعل، من حيث الخدمات السيئة المقدمة للمواطن، والاستهتار الكبير بالمصالح والمرافق العامة، ولضيق الوقت توقفنا فقط أمام مشكلتين، أولاهما: الطريق الذي تم تنفيذه بالحي الجنوبي الغربي، ويصل ما بين إزرع وذنيبة وصولاً إلى محافظة السويداء، وهو على غرار الطرقات السيئة في مدينة داعل، تم تنفيذه بمواصفات سيئة، ولم تمض فترة قصيرة على تنفيذه حتى بدأت الحفر والتموُّجات والانتفاخات، نتيجة عدم دحل ورصّ الطبقة تحت الأسفلتية بشكل جيد، وتراها تتحرك بشكل سيئ تحت عجلات السيارات، وثانيهما والتي تقلق الناس: بقاء «الريغارات» على خط الصرف الصحي بدون أغطية وتهدد حياة الناس بخطر السقوط فيها، هذه الأغطية تتم سرقتها نهاراً جهاراً، من جامعي الخردة، ليتم بيعها إلى تجار الخردة الكبار، وقد يتم بيعها للمتعهد، ليتم تركيبها مرة ثانية وثالثة، وهكذا دواليك.

آخر تعديل على الثلاثاء, 06 كانون1/ديسمبر 2016 00:00