النهب والفساد في دير الزور.. اعتداءات صارخة على أملاك الدولة!!

بعد أن كانت اليد المنتجة هي اليد العليا، صارت الحكومة ومعها حلفاؤها تقول للعمال والفلاحين نحن شركاء في القرار، وبعد تغلغل وسيطرة النفس الليبرالي على الكثير من المفاصل الاقتصادية والاجتماعية عبر الخصخصة والاستثمار والنهب والفساد، وتمكن المتلبرلون من امتلاك القرار فيها، تخلت الحكومة عن هذه الشراكة لتتفرد بالعديد من القرارات دون اعتبار لمصالح الشعب والوطن، بل أن بعضاً من تلك القرارات طالت أبسط الحقوق، مخالفة حتى الدستور ولم يحاسبها أحد على ما ارتكبته!!

وبعد ما جرى من نهب وفساد وإفشال متعمد للقطاع العام على مستوى الوطن، لم يبق أمام هؤلاء للاستمرار في النهب سوى أملاك الدولة، التي هي أملاك الشعب أيضاً، والتي كثرت السكاكين التي تقطع أوصالها وتحولها إلى كُفتةٍ يسهل هضمها وابتلاعها، ومنها سكاكين شركات الاستثمار العقاري وغير العقاري، وتعديات المتنفذين وأصحاب السطوة تحت مسمياتٍ وحججٍ متعددة ومنها التخصيص، حيث خُصصت حتى بعض الأحزاب بقطعٍ من الأراضي، علماً أنه ليس لها صفةً اعتبارية في القانون لعدم وجود قانون أحزاب. فهل أصبحت أملاك مجلس مدينة دير الزور بعد توسعة المخطط التنظيمي وأملاك الدولة ككل لقمةً سائغةً، أو قطعة حلوى تجذب الحشرات إليها، أو قطعة جبن طرية لفئران الفساد وخفافيش النهب التي ترصدها براداراتها عن بُعد، و كمثال على ذلك سنأخذ الحادثة التالية:
سبق أن خُصصت إحدى الجهات الوصائية بأرضٍ مساحتها 1432 متراً بموجب عقدٍ بالتراضي رقم /137/ ص مع مجلس المدينة، وعقد بالتراضي يعني سعراً رمزياً وشكلياً!! وذهب منها 865 متراً مرافق عامة، وبقي منها 567 متراً، وبيعت لأحد المتعهدين المدعومين الذي تجاوز الوجائب والمرافق العامة وبنى برج «دريم هاوس» الذي سبق أن أشرنا إليه أيضاً، ولم يحرك أحدٌ ساكناً للمحاسبة؟!
واليوم وجهت الجهة الوصائية ذاتها كتاباً محولاً من المحافظ إلى مجلس المدينة للدراسة وبيان الرأي، تطالبها بالتعويض عن المساحة المقتطعة، والكتاب مسجل بوارد المجلس برقم 386 تاريخ 29/9/2009، وحدد الأرض في العقارين 520 و2761 بالمنطقة العقارية الرابعة وذلك للمصلحة العامة، دون تحديد ما هي هذه «المصلحة»!!
كتاب من رئيس شعبة التنظيم في مجلس المدينة موجه إلى رئيسه يبين أن الجزء المطلوب من العقار 520 وارد على المخطط التنظيمي بصفة تحريج يحتاج للعرض على اللجنة الإقليمية، وأن العقار 2761  تعود ملكيته بالكامل للأوقاف وليس للمجلس. وهو أحراجٌ أيضاً.
وأصدر رئيس مجلس المدينة القرار 75 تاريخ 17/11/2009 بموافقة المجلس بالإجماع، والقاضي بتخصيص مساحة 17160 متراً وفق الكروكي المعد من قبل (الدائرة الفنية) بتاريخ 9/9، أي أكثر من 17 دونماً ونصف من العقار 520، وهي تعادل حوالي ثلاثين ضعفاً من مساحة الأرض المقتطعة !؟
بتاريخ 22/12/2009 وجهت مديرية الأوقاف الكتاب 1206/11/8 إلى المحافظ  تطالب بطي قرار مجلس المدينة رقم 75 القاضي بالتخصيص، لأن الكروكي المعد هو للعقار 2761  وتعود ملكيته بالكامل لها، وهو موضوع استثمار لها كسوق تجارية لدعم موازنتها العاجزة عن تأمين رواتب موظفيها، وأنّ العقار 520 بموقع آخر. وتكليف دائرة المساحة ببيان الحدود.

التبصر في الوقائع
يتبين من الحيثيات جملة من المخالفات تثير عدداً من التساؤلات:
كيف يخصص رئيس مجلس المدينة أرضاً ليست ملكه بل ملك للأوقاف؟ وأيضاً قبل عرضها على اللجنة الإقليمية كونها أحراجاً، كما يخالف ما بيّنه رئيس شعبة التنظيم لديه؟!! وأين مديرية البيئة من ذلك، ونحن بأمسِّ الحاجة إلى كلّ شجرةٍ بسبب ظروفنا البيئية؟!
ولماذا هذه المساحة الكبيرة في وسط المدينة، والتي قيمتها أكثر من ثلاث مائة وخمسين مليوناً على الأقل؟! حيث يقدر سعر المتر المربع بعشرين ألف ليرة، وما   «المصلحة العامة» التي تقتضي ذلك؟
 وما  فرق القيمة عن جزء من القطعة السابقة؟ ولماذا لم يوقع عقد ليس (بالتراضي) بذلك؟ وكيف يكتب أنّ القرار اتخذ بالإجماع؟ بينما أكد لنا أحد أعضاء المجلس أنّ القرار لم يتخذ بالاجماع، بل حاول رئيس المجلس معرفة من لم يوافق بأسلوب مثير، كون الجهة المخصصة هذه الجهة الوصائية، وأعاد التصويت عليها في اليوم التالي؟!
 كما أن الكروكي أي (المخطط) والصور الجوية والوثائق الموجودة تبين أنّ الأرض ضمن عقار الأوقاف، ولو أنّ مواطناً اقتطع شجرةً هناك لتعرض للسجن العرفي وفق ضابطة الأحراج،  ولو أنّ مواطناً اقتطعت قطعةً  من أرضه ، فهل يعوض بثلاثين ضِعفاً؟!
ولماذا هذا الكرم الحاتمي؟! علماً أنّ المجلس يشكو قلة الموارد المالية التي تعيقه من تقديم الخدمات للمواطنين كما يدعون .. أليس المواطنون أحقّ بذلك؟! وهو واجبه الذي انتخب من أجله أو كلف به، ثمّ ألا يُعتبر هذا خيانةٌ للأمانة؟!
 
والتساؤل الأخير:
لماذا لا يُحاسب رئيس مجلس المدينة على كلّ هذه المخالفات من المجلس ذاته، أم أنه لا يعلم بالتفاصيل، أو لا حول له ولا قوّة؟!
والأهم بعد ذلك من الذي سيحاسبه طالما هو يحابي هذه الجهة المسؤولة أو تلك؟ مما يمنحه قوة وحماية، وبالتالي سيتم السكوت عن كثير من التجاوزات والمخالفات التي لا يعلمها إلاّ الراسخون في المنصب؟!
وهنا ننوه بموقف مديرية الأوقاف التي لم تسكت عن  حقها، فوجهت كتاباً إلى المحافظ، وكتاباً آخر إلى وزير الأوقاف بالموضوع ذاته.