اتصالات الحسكة.. فساد علني، والفاسدون مازالوا يتلذذون بالمكاسب!

نكاد نسمع بشكل يومي عن حكاية فساد هنا وهناك، في هذه المؤسسة وتلك، وهذا أمر تعودنا عليه في هذه البلاد التي ابتليت بهذه الآفة السرطانية، ولكن أن يستمر الفساد في مؤسسة ما بعد أن تتضح كل خيوطه ومعالمه وتفاصيله، وبعد أن تكتب عنه الصحافة الرسمية لأكثر من مرة، ويبقى الفاسدون في مواقعهم، فهذا مؤشر أخطر من الفساد ذاته، مؤشر على أن للفساد حماة في مواقع مفصلية هامة في أجهزة الدولة، لايهمها عرف أو قانون، بل هم أقوى من القانون ذاته.. حكاية الفساد في مؤسسة اتصالات الحسكة تشمئز منها النفوس، وهي مستمرة على مدى إدارات متعاقبة، وهذه بعض فصولها:

بعد تكليف المدير الحالي المهندس ملاذ جبرائيل، صرح لوكالات أنباء عالمية بأنه تعرض لمحاولة اغتيال بسبب ملاحقته للفاسدين في المؤسسة وفتح ملفات فساد واختلاسات يجري التحقيق فيها، وتم نشر الخبر على صفحات الانترنيت، وقُدِّم إثر تلك الحادثة على أنه ملاك إنقاذ المؤسسة من آفة الفساد، وصرح بأنه تعرض لمحاولة الاغتيال تلك من قبل مسؤولين سابقين في مؤسسة الاتصالات بالحسكة تم إعفاؤهم من مناصبهم بسبب ارتكابهم تجاوزات قانونية وقضايا فساد قبل أن يتولى هو إدارة المؤسسة، ومثل هذا التصريح يفهم منه بأن القادم الجديد إلى الإدارة سيعمل على إنقاذ المؤسسة، ولكن أتت الوقائع بكل أسف عكس ذلك..
 ملفات واختلاسات وتقارير
كأي مدير جديد، أقصى المهندس جبرائيل حاشية المدير السابق، وانتقى طاقماً جديداً، وصار يطلق الوعود الكثيرة بتحسين الأداء في المؤسسة، ولكن ما حصل فعلياً أن وضع المؤسسة اتجه إلى التردي يوما بعد آخر، وتفشى الفساد وعشش في جنباتها، وتم القضاء بشكل شبه كلي على حقوق ومكاسب العمال من طبابة مجانية سنية وعينية، ولباس مجاني، فلم تزود المؤسسة عمالها باللباس الشتوي لعام 2007-2008، ولا بالمعاطف الشتوية والصيفية للعام نفسه، مع العلم أن ذلك حق مشروع لهم منصوص عليه في القانون.
والمضحك – المبكي أن فترة عامين لم تكف للقيام بالإجراءات اللازمة لإعلان المناقصة الخاصة بالإكساء المجاني إلا في يوم 31/12/2008 الذي صادف يوم مسيرة التضامن مع الأهل في غزة، وتوالت الأيام، وبدأ العمال بالتهامس حول تسعيرة تحقيق الطلبات والمكاسب والتعيينات والدورات وخطوط الانترنيت ASDL  والسيارات وخدمة الريف سواء أكانت قانونية أو غير ذلك، فلكل شيء تسعيرته.
وبتاريخ 7/1/2008 نشرت جريدة تشرين خبراً بعنوان ابتزاز أصحاب محلات الانترنيت في الحسكة: (تمكنت إحدى الجهات الأمنية من إلقاء القبض على المهندس (م. ك. ز) المشرف على مشروع الهاتف الخلوي في مديرية الاتصالات وعضو لجنة مخالفات ورخص مقاهي الانترنيت في المحافظة بتهمة تعاطي رشوة من أصحاب المقاهي..)، والمقال المذكور يورد الأدلة والإثباتات القاطعة على إدانة المذكور، وتواطؤ من هو أعلى منه معه في الابتزاز، والعديد من المؤشرات كانت تؤكد تورط السيد المدير.
 ونشرت الزميلة تشرين بتاريخ 12/12/2007 مقالاً تحت عنوان برسم وزير الاتصالات الجديد: (في مسابقة اتصالات الحسكة علامة النجاح 60 ألف مع الواسطة و100 ألف دون واسطة)، وواضح من عنوان المقال أن لجنة الاختبار متورطة حتى النخاع في عملية الفساد سواء أكان تزويراً أو تلاعباً بالنتائج أو ابتزازاً بالقبول في المسابقة أو عدم القبول)، وكي لا يفوت القارئ الكريم العلم، نوضح بأن مدير المؤسسة المعني بالمقال هو رئيس لجنة الاختبار، وهو نفسه الذي أصدر قراراً بتسميته رئيساً للجنة..
عُهد للسيد أحمد الصلال رئيس فرع الحسكة للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بالحسكة بتكليف مجموعة من المفتشين بفتح ملفات الفساد كافة في مديرية اتصالات المحافظة والتحقيق فيها بشكل مفصل ودقيق، ورفع المقترحات والتوصيات المناسبة حيالها في ضوء ما يكشف عنه التحقيق من تفاصيل واقتراح العقوبات الواجب اتخاذها بحق كل من يثبت تورطه في تلك الملفات سواء جزئياً أم كلياً.
والمثير فيما يتعلق بالسيد المدير بأن ترقيته لهذا المنصب غير قانونية كونه مديناً للمؤسسة بمبلغ مليون ليرة سورية لإجرائه مكالمات مع الأرقام الجميلة في عدد من الدول الأجنبية، ومعاقب بعقوبة تأخير ترفيع مدة ستة أشهر بموجب تقرير رقابي رقم 2/ع م ع تاريخ 28/3/2006 بسبب ارتكابه العديد من المخالفات في بعض المناقصات التي أجرتها المديرية، كونه كان رئيساً للجنة المناقصات قبل أن تتم ترقيته إلى منصب المدير، والأكثر إثارة أن العقوبة المقترحة آنفاً صدرت بتاريخ 12/4/2007 متأخرة ثلاثة عشر شهراً من تاريخ التقرير، والسبب فيما يبدو ألا يمنع التقرير والعقوبة المقترحة من ترقيته.
ويستمر مسلسل التقارير الرقابية والعقوبات المقترحة، حتى نصل إلى التقرير الصادر برقم 9/634/28/4م - آ تاريخ 12/2/2009، ومضمونه: تطلب رئاسة الهيئة إعفاء المدير من مهامه وتكليف البديل أصولاً ومعاقبته مع كافة أعضاء اللجنة (لجنة الاختبار) حسم من الأجر الشهري بواقع 5 % لمدة ستة أشهر، وإعفاء البعض من مهامهم بمن فيهم البعض من الإدارة العامة للاتصالات في دمشق لتواطئهم مع الفاسدين في مديرية اتصالات الحسكة، خلافاً للتعليمات النافذة.. أما بالنسبة للمهندس (م. ك. ز) فقد صدرت بحقه عقوبة حجب الترفيع من وزير الاتصالات والتقانة بتاريخ 15/2/2009، أما عضو اللجنة الآخر ورئيس اللجنة النقابية لعمال اتصالات الحسكة العامل (خ.ع.خ) فأحيل إلى المحكمة المسلكية تمهيداً لإحالته إلى القضاء المختص بجرم صرف النفوذ، اثر قيامه بابتزاز المتقدمين إلى المسابقة بإضافة علامات زائدة مقابل 50 ألف ليرة سورية تقريباً علماً أن الرقابة أصدرت القرار اللازم المتعلق بذلك..
 الفصل الأخير في الحكاية
 إن كل  ما أوردناه فيما سبق  لايحتاج إلى أدلة وبراهين، فهي مثبتة بموجب تقارير من أعلى سلطة رقابية في البلاد، ومدعمة بقرارات إدارية من رئاسة مجلس الوزراء والوزارة المعنية، وبات الأمر بيد أصحاب القرار لاتخاذ الإجراء اللازم ولاسيما أن أخطبوط الفساد له من القوة والنفوذ بما يستطيع إجهاض القرارات بحق هؤلاء الفاسدين كما تبين من بعض فصول الحكاية، فجميع المدانين مازالوا في مناصبهم ويتمتعون بالمزايا والمكاسب نفسها، وما نتمناه من اتحاد عمال المحافظة أن يزيح الفاسدين من مواقعهم النقابية حرصاً على كرامة التنظيم النقابي، كما أن نقابة المهندسين والجمعية المعلوماتية السورية مدعوتان لاتخاذ إجراءات لحفظ كرامة المهندس وسمعة الجمعية، فحكاية الفساد هذه ذات رائحة تزكم الأنوف، وتقشعر لها الأبدان.. وبقي أن نشير أن الأخطر في الحكاية برمتها هم أولئك الذين يحمون الفاسدين ومواقعهم في جهاز الدولة، وإلا ما مبرر إبقاء عصابة الفساد في مواقعها في مؤسسة الاتصالات؟
أخيراً، نتمنى أن لا تطال العقوبات أولئك الشرفاء في المؤسسة من الذين لا ناقة لهم ولا جمل في القضية، ولم يمارسوا أي شكل من أشكال الفساد، ففي بلدنا، ولاسيما في الفترة الأخيرة، كثيراً ما جرى التعامي عن الفاسدين، وخصوصاً الكبار منهم، ومحاسبة الشرفاء على جرائم لم يرتكبوها..