تسوّل على إيقاع السياسات الليبرالية
كلّنا يعرف بأنّ التّسوّل ظاهرة منتشرة في كلّ المجتمعات،لكنّها قد تزيد أو تنقص بحسب المجتمع ومدى تأمين القائمين عليه لحاجات أفراده ومتطلّباتهم المتزايدة مع تطوّر العصر، ومدى تمكّن طاقمه الاقتصاديّ من تمتين العلاقات الاقتصاديّة ضمن المجتمع نفسه، وبناء نظام اقتصاديّ قوي يضمن لأبناء المجتمع كافة حق العمل، ويوفّر للأجيال القادمة مخزوناً استراتيجياً تطمئنّ له وتبني بموجبه جميع مرافق ومجالات الحياة المعاصرة والمستقبليّة.
ونتيجة لانتشار البطالة والفقر بسبب الاستغلال والنهب الاستعماري، وترافُق ذلك مع غياب الوعي، تنتشر ظاهرة التّسوّل بشكل متزايد بين شعوب العالم الثـّالث، ولا تخرج سورية عن هذا الإطار، إذ يوجد لدينا أنواع مختلفة للتّسوّل كغيرها في بقيّة البلدان، وأحد أغرب أنواعه (التّسوّل من أجل الحصول على أجور المواصلات) حيث تنتشر هذه الطريقة بشدة في معظم المدن، وخاصة في مدينة حمص، إذ كثيراً ما يتعرّض الناس لمتسوّلين من هذا النّوع، حيث ينتشرون بكثرة خاصّة عند نفق جامعة البعث، وكلّهم من الشّباب، فيستغلّون طلاّب الجامعة بقصصهم المؤثـّرة، ويدّعون أنّهم جاؤوا إلى حمص، وتعرضوا لظروف خاصة، وليس معهم الآن (أجرة طريق العودة)، فمنهم من يريد العودة إلى دير الزّور، وآخر إلى حلب أو السّلمية وغيرها.. وكلّ منهم يتظاهر بالبراءة والحرج من طلبه هذا، وهو طلب محرِج بالفعل، إن كان لطالبه أو للّذي يُطلَب منه، ولشدّة فضولي واستغرابي من هذا النّوع من – الشّحادة – قمت باستمالة أحدهم وسألته عن السّبب الّذي يدفعه إلى هذه الطّريقة من الشّحادة، وبعد مجادلة أنكر فيها بشكل قاطع قيامه بالتّسوّل أجاب: (يعني شو بدّي أعمل وأنا شبّ بهدّ الحيط إذا ملت عليه؟؟ شغل ما عم لاقي. نطرنا الوظيفة ولهلّق ما في جواب، وإنّي إشحد، والله ما بلاقيها حلوة بحقّي)، ثمّ استأنف قائلاً: (بس هالطّريقة ما بتوحي بالشّحادة، لأنّو بتبيّن طبيعيّة، يعني موقف ممكن تتعرّضلو إيمتى ما كان ووين ما كان). ولا أعلم بالفعل إن كان تبريره مسوّغاً فعلياً لما يمارسه من تسوّل، فكيف يظهر الأمر طبيعيّاً عندما تكرّره أمام النّاس ومع أكثر من شخص وفي المكان ذاته؟؟. وخاصّة بعد ارتفاع أجور النّقل لتصل الزّيادة بالنّسبة لكثير من المناطق إلى ما يقارب 100% (يعني الشّغلة عن جد محرزة).
إنّ المبرّر الوحيد المسوّغ لهذه الطّريقة الّتي يعتبرها ممارسوها من أرقى أنواع التّسوّل و(أطرفها)، هو تزايد البطالة بين صفوف الشّباب وإهمال الجهات المعنيّة لأمور العاطلين عن العمل أو المصروفين منه، وعدم إدراج هؤلاء الشّباب في أية خطّة عمل مستقبليّة اقتصاديّة كانت أم خدميّة أو حتّى اجتماعيّة.
إن تزايد هذه الظّاهرة غير الحضاريّة هو مؤشر بسيط جداً لما وصلت إليه أحوال الناس في ظل استمرار الفريق الاقتصادي السوري بسياساته الليبرالية، ونحن إذ نشير إليها وننوه عنها إنما نضعها برسم الجهات المعنيّة للعمل على مكافحة أسبابها..