أين السياسات الحكومية من «توطيد النظام الاشتراكي»؟
اعتاد المواطنون في بلادنا على قيام بعض المتنفذين بخرق القوانين مستفيدين من الثغرات التي خلّفها الفساد في أجهزة الدولة المختلفة ومن بينها الجهاز القضائي نفسه، بل اعتادوا على تفصيل بعض القرارات على قياس أفراد أو شركات خاصة بعينها، ولكن الجديد في ظل الحكومة الحالية هو خرق الدستور والاستهتار بالقوانين علناً وعلى أعلى المستويات ودون أية محاسبة .
وإذا كان هناك عددٌ من المنظرين الجدد لسياسات الحكومة يبررون بعض الخروقات بذريعة أن النصوص الدستورية والقانونية القديمة لم تعد صالحة ولا واقعية اليوم - وهذا لا يبرر خرق أي نص تشريعي بحال من الأحوال -، فالملاحظ أن هذه الحكومة تستهتر بنصوص قانونية صدرت عن السلطة التشريعية حديثاً ودون أي اعتراض من الفريق الذي يقوم بخرق هذه النصوص اليوم. ومن هذه المفارقات أن القانون رقم (50) لعام 2004م المتعلق بتعديل القانون الأساسي للعاملين في الدولة ينص في بابه التاسع المتعلق بالواجبات والمحظورات والعقوبات المسلكية وفي المادة (63) منه على: أن أول واجب من واجبات العامل في الدولة هو «أن يعمل من خلال تأديته لوظيفته على توطيد النظام الاشتراكي وتدعيمه».
ربما نسي الفريق الحكومي - وأعني الاقتصادي منه على وجه الخصوص - أن أعضاءه ما هم إلا عاملون في الدولة في نهاية المطاف، ويشملهم هذا القانون بحقوقه وواجباته ومحظوراته، وعقوباته أيضاً. فتوطيد النظام الاشتراكي هو الواجب الأول الملقى على عاتقهم، إلا أن الواقع يثبت أن سياسات الفريق الاقتصادي ومشاريعه «الإصلاحية» لا تتجاهل القيام بهذا الواجب فحسب ، بل إنها تعمل بشكل معاكس له. حتى أن الكثير من هذه الإجراءات فيها «زعزعة للنظام الاشتراكي»، وهذه إحدى الجرائم التي يعاقب عليها القانون في سورية، وسوف نسهب في الحديث عن هذه النقطة في مقام آخر..
إن الاتجاه المتسارع إلى ربط الاقتصاد السوري بالخارج تحت ستار ما يعرف بالانفتاح، هو برنامج ليبرالي بامتياز وفيه ابتعاد عن الاشتراكية باتجاه نقيضها، والعمل على الخصخصة التدريجية ونشر مناخ عام يوصل إلى فقدان الثقة بالقطاع العام فيه اعتداء سافر على كل القيم الاشتراكية التي يقوم عليها اقتصاد البلاد بموجب الدستور. وهناك غيرها العشرات من الأمثلة على تفريط هؤلاء بواجبهم في «توطيد النظام الاشتراكي»، وآخرها وأخطرها مشروع تعديل قانون العمل المطروح والذي يتضمن إجازة لما يعرف بعقد العمل من الباطن، أي السماح لرب العمل باستئجار اليد العاملة عن طريق طرف ثالث وبالتالي تحويل قوة العمل الإنسانية إلى بضاعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهو الأمر الذي إذا تم فإنه سيُعد انقلاباً خطيراً على الاشتراكية ليس في الواقع العملي فحسب، وإنما بالمعنى الفكري والمعنوي أيضاً .
إن أصحاب هذه القرارات والسياسات يخالفون واجباتهم المنصوص عليها في القانون الأساسي للعاملين في الدولة دون أدنى شك (فضلاً عن عشرات الخروقات للدستور والقوانين الأخرى)، وهذا يعرضهم للمساءلة والمحاكمة المسلكية وفق القانون المذكور نفسه. فهل هناك نية لمحاسبتهم لدى الجهات القضائية والرقابية المعنية أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟.