لماذا عدوني فاسداً؟
يوماً بعد يوم تتكشف الأوهام التي حاولت لجنة الصرف من الخدمة (برئاسة وزير العدل) تمريرها للرأي العام حول مكافحتها للفساد في الأجهزة الحكومية.
فقد بات واضحاً للجميع أن هذه الأوهام قد تبخرت وتحولت إلى غمامة سوداء تحيط بمرفق العدالة وبأعضاء لجنة الصرف من الخدمة حيث تحول هؤلاء لأداة يتم استغلالها من المسؤولين الفاسدين للتخلص ممن يقف في وجه مصالحهم الخاصة ودون أدنى مراعاة لمصلحة الوطن أو المواطن والتي أقسموا اليمين على مراعاتها وتحقيقها..!!
نتابع لقاءنا اليوم مع المصروفين من الخدمة في محافظة حمص، وضيفتنا المهندسة ناهد محمد شفيق المغربل والتي حدثتنا عن تجربتها النضالية مع الفساد في حمص.. تقول ناهد:
تخرجت من جامعة البعث كلية الهندسة الكيميائية والبترولية (قسم الهندسة الغذائية) وبمعدل جيد جداً في عام 1995، وقد أُحدثَ هذا التخصص في الكلية للمساهمة في تطوير الصناعات الغذائية في سورية وتلبية لاحتياجات سوق العمل، وقد تم تعييني في وزارة الصحة (مديرية صحة حمص) وعملت في البداية في مجالات عديدة لا تمت لتخصصي العلمي بصلة تذكر (مكتب الإحصاء، الرعاية الصحية الأولية وغيرها)، وفي عام 2003 تمت إعارتي لمجلس المدينة لأعمل في مديرية الشؤون الصحية والتي تقوم بالرقابة على الغذاء بالأسواق، ويعمل بها كوادر من تخصصات متعددة: (أطباء، أطباء بيطريين، مهندسين زراعيين، وخريجي المعهد الصحي). وقد قمت خلال عملي بالمديرية المذكورة وبمشاركة من زملائي على إنشاء لجنة خاصة لمراقبة المعامل الغذائية من حيث متطلبات هذه الصناعة (مواد ملونة وحافظة ومعدلة وغيرها)، وساهمت هذه اللجنة بنشر الوعي الصحي لدى المعامل والمنشآت الغذائية عن طريق إعداد نشرات خاصة توزع على المنشآت، وخلال عملي قمت بالمساهمة في مصادرة كميات كبيرة من المواد المنتهية الصلاحية من منشآت مختلفة وهذه المواد كانت ستدخل إلى أجساد المواطنين مسببة السرطانات والأمراض المختلفة.
كنت أول من أدخل الحاسوب في عمله لدى مديرية الشؤون الصحية، وواجه هذا العمل ممانعة كبيرة من د.محمد علي غالي، والسبب أن إدخال الأتمتة لتصنيف وتدقيق أرقام الإنذارات والإغلاقات للمعامل والمنشآت المخالفة تحد كثيراً من التلاعبات التي كانت تحدث في مديرية الشؤون الصحية بعلم المذكور الذي قام بإصدار قرار ينص على احتفاظه بكل قرارات الإغلاق أو الإنذارات، والهدف هو مساومة المخالفين عليها، فمن يدفع المعلوم تغلق منشأته لثلاثة أيام (الخميس والجمعة والسبت صباحاً) أي إغلاقاً شكلياً، أما من لايدفع فيتم إغلاق منشأته لمدة أسبوع، وعندما كنت ألفت نظر المدير لهذه الأمور يدعي عدم علمه بها، ولكنه لايحرك ساكناً لمعالجة هذه المخالفات. أما الأسلوب المفضل لديه في الإدارة فهو فن إشعال الفتن بين الموظفين «فرّق تسد» حيث يضمن بهذا الأسلوب وفق رأيه بقاءه في منصبه..
وعندما بدأت موضة التحديث والتطوير قامت وزارة الإدارة المحلية بالطلب من العاملين في جميع المحافظات بإعداد خطط مكتوبة لتطوير العمل.
بعد انكشاف أفعال المذكور جمعت ما لدي من أوراق إدانة بحقه وقدمت شكوى للرقابة الداخلية في محافظة دمشق، ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراء بحقه بسبب نفوذه والتستر عليه من المسؤولين. ونتيجة تصرفاته مع بعض العاملين قاموا بتقديم شكاوى عديدة بحقه مما أدى لإحراج الرقابة الداخلية نتيجة الثبوتيات المقدمة، فاقترحت فرض عقوبة حسم من الأجر بحقه، ولكن المحافظ خفض العقوبة إلى إنذار خطي، ثم إلى إنذار شفهي، وأخيراً طي العقوبة!!
كما تمت دعوتي للشهادة أمام محكمة بداية الجزاء بحمص عام 2006، وذلك في دعوى مقامة ضد مدير الشؤون الصحية بجرم إساءة استعمال السلطة والاعتداء بالضرب على أحد العمال في مكتبه. وقدمت شهادتي بعد تحليفي اليمين القانونية استناداً لما رأيته دون زيادة أو نقصان، إلا أن المذكور قام بتهديدي بشكل علني بعد خروجي من قاعة المحاكمة قائلاً: «ستدفعين ثمن هذه الشهادة غالياً»، وقد أوفى بهذا التهديد عن طريق اقتراحه صرفي من الخدمة في نهاية عام 2006، وبعد أن أنهيت إعارتي وعدت لمديرية صحة حمص ولم يعد مسؤولاً عن عملي (حيث أصبحت أتبع لمدير صحة حمص ولوزير الصحة). مع العلم بأنني لم أُدع إلى أي تحقيق من أية جهة، ولم توجه لي أية تهمة، وعندما تبلغت قرار رئيس الوزراء رقم /1380/ تاريخ 31/3/2008 جاء القرار كالصاعقة على رأسي ورأس خمسة من زملائي الأبرياء الذين كانوا يعترضون سبيل هذا المدير وسياساته الفاشلة، لقد تم إلباسنا الفساد عنوةً دون دليل أو برهان. وبقي الفاسد الحقيقي على رأس عمله.
أقول لمن بقي من الشرفاء في أجهزة الدولة:
إلى متى ستبقى هذه القرارات العشوائية التي تخنق الفرص والمبادرات الطموحة لأنها تهدد مصالح فلان من الناس، فسورية لجميع أبنائها وليست حكراً لبعض المتنفذين.
إلى متى سيعاني الوطن من المحسوبيات التي أصبحت هي الفيصل في القرارات التي تخفي وراءها كثير من الظلم والإجحاف بحق الآخرين.
إلى متى سيبقى مستقبل هذا الوطن وتقدمه وتطوره مرهوناً بمصالح أولئك الذين يسخرون المصلحة العامة لحساب مصالحهم الشخصية باسم التطوير والتحديث.
لقد توجهت وزملائي بتظلم إلى رئيس الوزراء ولكن دون جدوى أو اكتراث فإلى متى...؟!
توجهنا بشكوى إلى مجلس الشعب عن طريق نواب حمص شحادة ميهوب وزهير طراف اللذين تعهدا بالدفاع عن المظلومين، فإلى متى المماطلة في تشكيل لجنة التحقيق!!؟
توجهنا للقضاء وقمنا برفع دعوى ولكنها تحتاج سنوات وسنوات وبحاجة لمصاريف للمحامي ونحن دون مورد رزق حالياً بعد أن ألبسونا طربوش الفساد بقوة السلطة، وهيهات هيهات من القضاء أن ينصفنا ويقف بوجه رئيس الوزراء.
نحن نعلم أن للباطل جولة وللحق جولات وأن العدل سينتصر في آخر المشوار، ولكن متى سنصل لآخر المشوار وكم سيسقط من ضحايا ومن مظلومين في فخ الظالمين، وكم من الشرفاء سيدفعون ثمن مواقفهم وآرائهم العادلة.
وفي الختام أشكر قاسيون على اهتمامها بقضايا العمال..
رأي المحرر
إن مثل هذه القرارات التي تقضي بصرف أبرياء من الخدمة في أجهزة الدولة تنتهك حقوق العمال، فمن المبادئ القانونية الدولية المعروفة والتي نص عليها الدستور السوري الدائم بأنه (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص)، فكيف يتجاهل القاضي ووزير العدل ووزيرة العمل ورئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية جميع النصوص القانونية؟ وكيف يتم تجاهل رأي وزير الصحة المسؤول الأول عن العاملين في وزارته؟ وهل فكرت لجنة الصرف من الخدمة قبل اقتراحها إصدار مثل هذه القرارات بالعواقب الناجمة عن تسريح الأبرياء الشرفاء؟ وهل تعلم هذه اللجنة أن لهؤلاء العمال أسراً وأطفالاً أصبحوا في ظل الغلاء الفاحش دون مورد رزق، وأن مكاتب تشغيل وزيرة العمل لاتوظف مثل هؤلاء المصروفين وأن جيش العاطلين عن العمل لن يساهم في الدفاع عن هذا الوطن وأفراد هذا الجيش جياع؟ بل قد يتحول لسلاح بيد الأعداء عند الضرورة. إن الوطن يحتضر في ظل الفساد المستشري، ويسير نحو الهاوية.
والسؤال أين موقف أحزاب الجبهة الوطنية مما يجري وأين موقف مجلس الشعب وأين وأين وأين؟؟؟
أسئلة بحاجة لإجابة.. فإلى متى يجب علينا الانتظار...؟!
■ إعداد: حكمت سباهي