إلى وزير الزراعة... ماذا يجري وراء الأبواب المغلقة؟!
يأتي هذا المسؤول أو ذاك، أو هذا الوزير أو ذاك، يأتي ويروح، والمواطن لا يعلم عنه شيئاً، ولا ما فعل، يُستقبَل بالحفاوة والتكريم ونحر الخراف، وأشكال أخرى من كرم الضيافة، ويلتقي المسؤولين الذين يزيّنون الأمور، ويصورون أننا نعيش في «ثبات ونبات».
وإن التقى أحداً غيرهم، فيكون من «الخاصة» المنتقين على الفرّازة، ولم نسمع أن واحداً منهم عقد «مؤتمراً» صحفياً خاصاً بقضايا المواطنين، أو لقاء شعبياً للاستماع مباشرةً للمواطنين ومعاناتهم، إن ذلك لم يحصل في تاريخنا المعاصر، وإنما تبقى الأمور «مخفية» خلف الأبواب المغلقة، وبالتعبير الشعبي «هون حفرنا، وهون طمرنا». كم أُخفيت حالات من النهب والفساد والتخريب!! وما يرشح من شقوق الأبواب، يصدر عن خوف أو خجل ولا نسمع إلا النزر اليسير، وفي النهاية يصدر بيان في الصحف المحلية والرسمية بأن الزيارة «ناجحة» وأن سيادته اطّلع على مجريات الأمور، وقدم التوجيهات اللازمة، ويثمن العطاءات والإنجازات، ويقدم «التمجيدات» ليتستر بها على عيوبه وعيوب أصحابه، وبعد انتهاء الزيارة أو المناسبة تعود «حليمة إلى عادتها القديمة»، وحقوق الوطن والمواطن تصبح في خبر كان!!
من هذه الظواهر زيارة وزير الزراعة عادل سفر إلى دير الزور يومي 10 و 11/7/2008، وفيها وجّه سيادته المقترحات للبحث عن بدائل لمحصول «القطن» لأن زراعته مكلفة اقتصادياً، وهي أعلى من سعره العالمي، وعلينا أن ننتج فقط حاجة مصانعنا من الغزل والنسيج.
هذا الكلام الخطير يتبناه المسؤولون عن تخطيط اقتصاد الوطن ومن في حكمهم، بدلاً من تشجيع الزراعات الإستراتيجية ودعمها وحمايتها. وهنا نتساءل: لماذا ارتفعت تكاليف إنتاج القطن؟ ومن المسؤول عن ارتفاعها؟! ومن الذي يسرق جهد الفلاح خلال موسم كامل؟ أليس هو من يحدد السعر؟ أليس هو من يستلم الإنتاج ويبخسه ثمنه؟! أليس بمعرفته تباع مستلزمات الإنتاج من الدولة إلى التجار سراً، ليتم بيعها في السوق السوداء بالعلن؟! ما ذنب الفلاحين وعائلاتهم ليأتي التجار ويسرقوهم في وضح النهار، بالقانون وبغير القانون؟! ونسأل السيد الوزير هل عانى كما الفلاح من الجوع والعطش والحر والبرد والتعب؟ أم أنه وأمثاله يقضون أوقاتهم في الفلل الفخمة المكيفة، والسيارات الفارهة، وفنادق النجوم الخمس، ويأكلون ويشربون ما لذ وطاب؟!
وبالخطورة نفسها نتحدث عن موضوع «القمح»، حيث صرح الوزير ذاته في مكان آخر وبحضور رئيس اتحاد الفلاحين، كما أكد لنا أحد أعضاء مجلس الشعب، أن الدولة يمكنها أن تستورد القمح بـ 19 ل.س، بينما حددنا سعر القمح للفلاح 16 ل.س، وهو سعر مرتفع يقارب سعر المستورد!!
هل فكر من طرح فكرة استيراد القمح في نتائج ذلك على الأمن الغذائي والوطني؟! إن من يبيعنا خبزنا بثمن، غداً سيتحكم بنا ويجعلنا عبيداً خاضعين تابعين له، لا نستطيع مخالفة أوامره، أو معارضة مصالحه، كما حدث في مصر أمام الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي نفقد استقلالنا وقرارنا، والأهم من ذلك انعكاسات هذا الإجراء على أمن المواطن الغذائي، وخضوعه لابتزاز وسيطرة التجار والفاسدين ومن يحميهم بالخفاء!!
من جهة أخرى فإن نوعية القمح الذي ننتجه من النوعية القاسية، الصحي والمرغوب عالمياً، فهل نستبدله بقمح معالج جينياً وبالهرمونات؟! ثم كم من الفلاحين وعائلاتهم سيصبحون عاطلين عن العمل؟ مع ما يسببه ذلك من انتشار للمشاكل والفوضى والجريمة وغيرها. ولماذا زراعة القطن والقمح مجزية في دول العالم وعندنا «كخ».
من سيحاسب المسؤولين عن اقتصاد الوطن وأمنه الغذائي، عما يرتكبونه من جرائم بحق الوطن والشعب؟ ومن يفتح الأبواب المغلقة لمعرفة ما يجري خلفها من وصفات لخفافيش الليل؟! أما آن الأوان لنور شمس الوطن أن يبزغ فيعقمه من جراثيم الفساد؟!!
إن فتح هذه الأبواب مسؤولية الشرفاء في هذا الوطن، الذين سيعملون يوماً لتعديل موازين القوى لمصلحة كرامة الوطن والمواطن.
■ زهير مشعان