أهالي مدينة حلب وسط دوامة جنون الأسعار
عُرفت مدينة حلب دائما في العرف الشعبي بذلك اللقب المحبب والمتداول «أم المحاشي والكبب»، فمطبخها غني وعريق بأشهى المأكولات، وقد كان لكل فئات سكانها فيما مضى نصيب من هذا المطبخ. ولكن سرعان ما تغيرت الأوضاع، فلم يعد الناس قادرين على تأمين لقمتهم ولقمة عيالهم، فقد تمت سرقة هذه اللقمة من عدد من الطفيليين الفاسدين، وهذا الواقع ينطبق على أغلبية الشعب السوري.
كان هناك نوع من المعكرونة الحلبية المدعومة من الدولة، شاع استهلاكها بين الفقراء، بسبب سعرها المعقول، واليوم أصبحت عصية عليهم، إذ ارتفع سعرها من 30 ل.س للكيلو إلى 60 ل.س. أما الزيت النباتي من ماركة الشهباء، وهو من إنتاج الدولة، فقد قفز سعره من 45 ل.س إلى 100 ل.س للتر. أما البازلاء والبامية، المونة التقليدية لأصحاب الدخل المحدود، فقد بدأت بالغياب عن بيوت الفقراء. ومادة الأرز، انطبق عليها المثل الشعبي (العز للرز) حيث وصل سعرها إلى 90ل.س، أما البرغل الذي (شنق حاله)، فقد تم إعدامه مع العدس وكل الحبوب والبقوليات الأخرى. سعر الحليب ومشتقاته أرتفع بشكل جنوني غير مسبوق، أما الفواكه فقد تحولت إلى لوحات جميلة موضوعة على رفوف المحلات الفارهة، وأصبحت كالعملة النادرة بالنسبة للفقراء، يكتفون بمشاهدتها من بعيد. هذا هو واقع كل المواد الغذائية، التي سيطول الكلام عنها كثيراً، لو أننا استعرضناها واحدة واحدة.
رب العائلة يعيش الألم والحرمان، وليس بيديه حيلة، لعدم امتلاكه للقوة الشرائية، فهو ينطلق صباحاً إلى الأسواق الشعبية، ويشاهد الأسعار الخيالية، ويتجول بالسوق يميناً ويساراً، لعله يستطيع شراء ما يحتاجه بالحد الأدنى، فلا يجد أمامه سوى الفتات والبقايا من الخضار، التي يحصل على بعضها بأسعار مخفًََََََّضة، وهي التي كانت ترمى بعبوات القمامة في السابق، أما اليوم مع هذا الغلاء الفاحش المتوحش فقد أصبحت ذات قيمة، علماً بأن معظمها لا يصلح كغذاء للإنسان.
الجماهير في حلب بدأت تنوء تحت وطأة هذا الوضع، فهي لأول مرة منذ عقود طويلة تجرب الجوع، وعواقب هذا الوضع ستظهر حتماً في المدى القريب والمنظور، بعد أن بدأت السياسة الاقتصادية تمتص أبسط عوامل الاستقرار الاجتماعي، فما الذي يخبئه لنا المستقبل!!!
■ إدوار خوام