مجلس الشعب يفتح ملف المصروفين من الخدمة
تم مؤخراً في مجلس الشعب فتح بعض صفحات ملف الموظفين المصروفين من الخدمة المليء بالمظالم، والذي تفوح منه رائحة الفساد الكبير، حيث جرى حتى الآن صرف عشرات العمال والموظفين (الصغار) في عدة محافظات بتهمة الفساد، دون توفر أية أدلة أو ثبوتيات تدينهم، بينما لم يطل هذا الصرف حتى الآن أي مدير فرعي أو مركزي، أو وزير، أو موظف كبير بهذه التهمة رغم ثبوت فساد عدد كبير منهم بشكل فج وسافر..
وقد قام بالدور الأهم في التصدي لهذا الموضوع الحساس كلٌ من النائبين شحادي كامل ميهوب، وزهير طراف..
«قاسيون» التي تتابع هذا الموضوع عن كثب، أرسلت أحد محرريها إلى مدينة حمص والتقت النائبين اللذين أثارا الموضوع وعدداً من المصروفين من الخدمة، وأجرت استطلاعاً واسعاً حول القضية سيتم نشره فور اكتماله.. أما اليوم فسسنكتفي بنشر المداخلة التي ألقاها النائب شحادي كامل ميهوب في الجلسة الأخيرة لمجلس الشعب، واللقاء المهتوف مع النائب زهير طراف..
«ميهوب»: يجب التدقيق والتمحيص في كل التقارير التي تطالب بفصل عمال من وظائفهم..
«السيد رئيس مجلس الشعب المحترم.. الزميلات والأخوة الزملاء:
لقد صدر القرار رقم /1380/ بتاريخ 31/3/2008 من رئاسة مجلس الوزراء والقاضي بصرف أربعين عاملاً ومهندساً وطبيباً من مجلس مدينة حمص.
إن الأربعين آنفي الذكر موزعون على الفئات التالية:
21 مهندساً، وطبيب واحد، ومدير إداري واحد، و7 من المراقبين الفنين والصحيين، و2 من الجباة، و2 من عمال الكومبريصة، و5 من عمال حدائق، وسائق واحد..
بعد الدارسة والتدقيق لأوضاع هؤلاء لاحظت مجموعة من النقاط البينة، لابد لي من وضع المجلس الكريم في صورتها. فبعد معاينة ذاتيات أغلبية المفصولين لم أرَ فيها أية عقوبة تفتيشية أو أحكام قضائية أو عقوبة تنبيه أو إنذار أو ما شابه ذلك، حتى أن خمسة منهم يعملون في مديرية الشؤون الصحية، كانوا قد حصلوا على البراءة الكاملة من الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، مع عقوبة حسم 2 % لمدير الشؤون الصحية الذي قام بدوره بتزويد رئيسة مجلس المدينة بأسماء الأبرياء الخمسة الذين تم فصلهم فيما بعد!!
من مفارقات هذا القرار أيضاً:
1) مهندس موفد إلى أوكرانيا لصالح جامعة البعث للحصول على شهادة الدكتوراه في الهندسة المدنية والمغترب منذ سنتين، تم فصله أيضاً.
2) مهندس قدم استقالته منذ سنتين، كان قد فصل أيضاً.
3) المدير لمجلس حمص له خدمات واضحة وكبيرة على المستويين الإداري والقانوني، قد تم فصله بعد أن أحيل إلى التقاعد بحكم السن.
4) عامل حدائق أصم وأبكم، تم توريطه بطريقة معينة في هذا الموضوع، وتم فصله.
5) مجازة في الهندسة الغذائية، كانت قد قدمت من مديرة الصحة بحمص إلى مديرية الشؤون الصحية في مجلس المدينة، وقامت ببحث علمي اختصاصي لمراقبة الصناعة الغذائية، وأدخلت الأتمتة إلى عمل الشؤون الصحية، واقترحت تطوير المعمل المهني، فأزعجت المدير الذي أعادها إلى مكانها في مديرية الصحة، وبعد ذلك بسنة ونصف أُلحق اسمها مع من يُطالَب بفصلهم، فتم ذلك.
6) مهندس في الزراعة، كان قد حصل على ثناء وشكر لعدة مرات من المحافظ ورئيسة مجلس المدينة، وكتبت عنه الصحف لملاحقاته ومتابعته بائعي اللحوم الفاسدة ومنها لحم حمير وبغال وكلاب، أُنصف بعدها حين قاموا بفصله.. وهكذا دواليك.
إني لا أنفي إطلاقاً وجود فساد في مجلس مدينة حمص كما في غيرها من مؤسسات الدولة. وكما وجد فاسدون يلحقون الضرر الكبير باقتصاد الوطن، هناك شرفاء في كل الأمكنة والأزمنة، حريصون على مصلحة الوطن والمواطن، ويشكلون صمام أمان لاستمرار سورية قوية صلبة في وجوه الحاسدين والحاقدين، من العربان والإفرنج.
إن الواضح من هذه المشكلة هو قلة الاهتمام وضعف الدراسة والدراية لحماية مصالح المواطن، فكان تقرير اللجنة الوزارية المختصة بدراسة هذه المواضيع ضعيفاً ولم يصل إلى الهدف المنشود منه، وهو محاربة الفساد والفاسدين، فقد أصاب تقرير اللجنة المذكورة مجموعة من الفقراء والأبرياء، ومن الممكن أن يكون بين الأربعين اسماً مرتكبون، لكنني أتمنى أن تكون هناك أدلة واضحة وقاطعة حتى لا يقترب القرار الجائر من بريء واحد.
إن التقرير الأساسي الذي رفعه محافظ حمص إلى الحكومة لم يُبنَ على أدلة وعلى دراسة، بل استند على النوايا والشك. والمعطى القانوني لا يجرِّم الناس على النية والشك، خصوصاً في محافظة كحمص حيث أقامت سياسة المحافظ الدنيا ولم تقعدها، فحول بقراراته الارتجالية أغلبية سكان المحافظة إلى معارضين لسياساته الخدمية والصحية والتنظيمية والسياحية، وأنضم أغلبية التجار في المدينة إلى سكان الأحياء الشعبية والأرياف الفقيرة في معارضتهم سياسات هذا المحافظ، تلك الأرياف التي ما فتئ المحافظ يحاربها منذ وصل المدينة قبل 3 سنوات.
إن الله سبحانه وتعالى قد قال في كتابه العزيز:
(يا أيها الذين أمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) وحتى لا نكون من النادمين يوماً، فإني أطالب بالتدقيق والتمحيص والبحث الجدي في كل التقارير التي تطالب بفصل عمال من وظائفهم، حتى نمنع الظلم من افتراس إخوة لنا في هذا الوطن، وخصوصاً أن شعبنا الكادح يعاني اليوم من صعوبات جمة على المستوى المعاشي ومن غلاء الأسعار. هذا الشعب العظيم الذي تحمل ومازال يتحمل كل أنواع الصعوبات دفاعاً عن مواقف سورية الوطنية والقومية.
لذا أقترح عليكم جميعاً الموافقة على تشكيل اللجنة التي ترونها مناسبة لدراسة قرار رئاسة مجلس الوزراء بفصل أربعين عاملاً من وظائفهم، ومعاقبة المرتكب منهم إن وجد، وإعادة البريء منهم إلى عمله، وأطالب بمعاقبة الجهات التي كانت ستنزل ضرراً كبيراً بحقوق المواطنين، وحتى لا يتحول هذا القرار إلى قاعدة عامة ستبنى عليها كثير من القرارات الخاطئة والظالمة في المستقبل. وأرجو من مقام الرئاسة أن يطلب من الحكومة إبقاء شواغر هؤلاء المغيبين فارغة في مجلس مدينة حمص حتى تُصدر اللجنة القرار والحكم المناسبين والعادلين».
طراف: على النواب أن يثبتوا للذين انتخبوهم أنهم لم يكونوا على خطأ..
في اتصال هاتفي أكد النائب زهير طراف لـ«قاسيون» أن أعضاء مجلس الشعب بوصفهم سلطة تشريعية «هم المعنيون بالدفاع عن الموظفين البريئين المصروفين من الخدمة، باعتبار أن الجهات الأخرى في البلاد: اتحاد نقابات العمال، القضاء، المراجع المختصة، رئاسة مجلس الوزراء عاجزة، أو لا تمتلك القدرة أو الإمكانية أو الرغبة في الدفاع عن حق المظلومين.
لذلك يجب على السلطة التشريعية أن تأخذ دورها، وتفرض نفسها داخل هذه المعمعة وتبذل قصارى جهدها لرفع الظلم عن هؤلاء».
وأكد في هذا الإطار أنه «يجب أن يكون هناك تكتل ضمن أعضاء مجلس الشعب يطالب بإنصاف المظلوم والبريء وإعادته إلى عمله خاصة من لم تثبت إدانته، ومن ليست عليه عقوبات تفتيشية».
وبين أنه يجب على مجلس الشعب ألا يكتفي بذلك، بل عليه محاسبة المتسببين بإصدار هذا القرار الظالم بحقهم وحق أسرهم، لأن المصروف من الخدمة، ليس وحده المتضرر، بل إن الضرر يطال عائلته.. والقرار ظلم 40 عائلة ستتعرض للتشرد.
على مجلس الشعب أن يفرض نفسه على الخارطة السياسية في سورية، وعلى النواب أن يثبتوا للذين انتخبوهم أنهم لم يكونوا على خطأ.. يجب أن يطمئن المواطن أنه إذا وقع عليه ظلم سيجد من ينصفه ويدافع عنه، فبرأيي لاتوجد حالياً جهة رسمية ترفع الظلم عن المواطن».
وعن كون الملف مازال محصوراً بالمصروفين من الخدمة في حمص، ولم يطل بقية المصروفين في محافظات أخرى أكد طراف أنه «يجب أن يشمل البحث والدفاع كل المصروفين في كل المحافظات.. أنا أطّلعت على قرار صرف مجموعة من الموظفين في مديرية مالية حلب، هؤلاء حصلوا على كتاب من فرع حزب البعث العربي الاشتراكي في مدينة حلب إلى القيادة القطرية يطلب إعادة البريء منهم إلى عمله، وحدد أسماء بعضهم، ورغم ذلك لم يتم الاستجابة لهذا الطلب، بل تمت إحالته للمراجع المختصة»..
وبالعودة للقرار 1380 الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء بحق بعض الموظفين، أكد طراف أن هذا القرار «جاء بموجب اقتراح محافظ حمص ووزير الإدارة المحلية.. وكان قراراً جائراً بحق قسم كبير من هؤلاء العمال، ويجب على الحكومة أن تتراجع عنه لأن الرجوع عن الخطأ فضيلة»..
ورأى طراف أن المادة 137 من قانون 50 لعام 2004، أعطت المجال للفاسدين لصرف بعض الشرفاء من الخدمة.. قد يكون هناك فاسدون مصروفون، ولكن النسب العظمى من المصروفين هم من الشرفاء وليسوا من الفاسدين وصحائفهم نظيفة، والدليل على ذلك عدم وجود أية إدانة سواء مسلكية أو تفتيشية.. لذلك يجب تعديل المادة 137 بحيث يتم صرف العامل بموجب سبب وليس من دون سبب. وعلى المصروف مراجعة القضاء، وهذا حقه».
وبين طراف أن «المشكلة هي أن القضاء الإداري المعني بهذه القضايا يتبع لوزير العدل، ومجلس الدولة والمحكمة الإدارية العليا تتبع لرئيس مجلس الوزراء.. قرار الصرف صادر عن لجنة صرف العمال المكّونة من وزير العدل ووزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، ورئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية، والقاضي الذي يرفع قضايا الاعتراض إليه يتبع لوزير العدل.. وبالتالي لا يمكنه معارضة وزيره!! وهذا الأمر ينطبق على مجلس الدولة التابع لرئاسة مجلس الوزراء، لذلك أعتقد أن المحاكم الإدارية ومجلس الدولة يجب أن تكون تابعة لرئاسة الجمهورية...
لقد تفاجأت أن أحد المصروفين من الخدمة مستقيل، وآخر في الخليج، وآخر أدانه شخص أصم أبكم!! كيف تمت كتابة ضبط شرطة على أقوال شخص أصم وأبكم باللغة الفصحى؟!.
على السلطة التشريعية أن تدرك أن حق المواطن فوق كل الحقوق.. وفوق مستوى الحساسية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية».