مشفى التوليد الجراحي بدمشق... بحاجة لولادة قيصرية!!
في عصرنا الحاضر، ومع التطورات العالمية المتسارعة، والمترافقة بتبدل الوجوه والنظريات، بات الدفاع عن القطاع العام ضرورة ملحة وآنية، نتيجة الهجوم المستمر عليه من أصحاب النظريات الرنانة، ومروجي السياسات الليبرالية، المتواجدين في كل البلدان النامية، الذين يروجون لخصخصة كل شيء حتى الإنسان...
منذ فترة ليست بالقليلة، وهؤلاء الليبراليون يعملون بالسر والعلن من أجل خصخصة القطاع العام الصحي، الذي يخدم الملايين من هذا الشعب الفقير، غير القادر على تحمل تكاليف المشافي الخاصة، التي لاهدف لها سوى الربح.
إن ما يجري في مشفى التوليد الجراحي بدمشق، يجعلنا نقف مذهولين أمام ما نسمعه ونراه، فهذا المشفى لم يشهد منذ فترة طويلة أي تقدم من حيث الخدمات المرفقية، أو الشروط الفنية المطلوبة لصيانته، والتي مازالت على حالها منذ زمن، وخاصةً السقوف المستعارة التي أصبحت ملجأً لكل أنواع القوارض، أو من حيث تقديم الخدمات للمرضى، وذلك بما يتناسب مع تطور المدينة وازدياد عدد سكانها، بسبب النزوح الكبير من الريف إلى المدينة.
المزاج الإداري
يعتبر مشفى التوليد الجراحي أحد المشافي الكبيرة والمهمة في مدينة دمشق، فهو يستقبل أعداداً هائلة من المواطنين نتيجة موقعه في مركز المدينة، إلا أنه يعاني من نقص حاد في عدد الممرضات والقابلات، اللواتي يعدُّ وجودهن من صلب عمل المشفى، لأن المشفى من دون تلك الخبرات لا يعني شيئاً، وخاصةً وأن الأطباء بشكل عام أصبحوا مجرد مشرفين ومصدري أوامر، والمشكلة أن الإدارة تعترف بذلك ولكنها لا تحرك ساكناً من أجل حل هذه المشكلة، فالعقود الجديدة للتوظيف رفضت من المدير العام بحجة أن نظام المشفى لا يسمح بذلك، وهو بشكل عام يرفض إبرام أية عقود جديدة، بانتظار تخريج دفعات جديدة من الممرضات والقابلات، و ذكر لنا أحد المطَّلعين على سير العمل في المشفى (وقد فضل عدم ذكر اسمه) بأنه قد تم إلغاء أكثر من 20 عقداً، لدى أصحابها من الخدمة أكثر من /15/ سنة، ومن المتوقع أن يرتفع عدد العقود الملغاة إلى الخمسين.
ذلك يحصل في ظل هذا النقص الخطير في الكادر، مع العلم أن الكثيرين قد رفعوا كتباً إلى الوزارة والنقابة لإصلاح الأوضاع، ولكن دون جدوى، أو الإتيان بأية حلول جذرية أو منطقية لصالح هؤلاء، والأنكى من ذلك أن المدير لم يأتِ بالبديل عنهم تحت حجة أخرى، وهي أن عقودهم غير نظامية، فأي مزاج إداري هذا الذي يعمل ضد مصلحته؟
تعقيم اللباس
هناك الكثير من المشافي التي لا تمر عليها الرقابة الصحية، ولا تعرف ما يحدث فيها، فنسمع الكثير عن مشاكل الإهمال وعدم المحاسبة، ولكننا لم نسمع ولا نريد أن نسمع تبريراً يعطي للطبيب الحق بعدم تعقيم اللباس المستخدم في العمليات الجراحية، فمشفى التوليد لا توجد فيه ساحة تعقيم للعمليات الجراحية، والمكان الذي تُجرى فيه العمليات غير مؤهل لذلك منذ أكثر من ثلاثة أشهر، مع علمنا أن اللباس يتم تعقيمه بالأدوية الضرورية في قبو المشفى الذي لا يمكن أن يصلح لذلك من الناحية الطبية، وبالمقابل فهناك إهمال واستهتار من الطبيب الجراح نفسه، الذي يعتبر التعقيم من مهامه التي لا يُسأل في أحايين كثيرة عنها، على اعتبار أنها مسألة عادية وروتينية، حتى الحواضن لا يتم تعقيمها بالليل بحجة أنها تعقَّم نهاراً...و على ذمتهم!!
القطب المتجمد
تنخفض درجات الحرارة في المشفى شتاءً بشكل حاد، أما في الصيف فهي ترتفع بشدة، وأغلب المرضى والزوار يفضِّلون العودة إلى منازلهم بعد إجراء العمليات فورا،ً خوفاً من الإصابة بأمراض أخرى نتيجة البرد، وحال التدفئة المركزية هكذا منذ أكثر من أربع سنوات، وعندما تم اختطاف طفل من المستشفى، ذكر التحقيق أن سبب انشغال الممرضة المسؤولة عنه هو انهماكها بإصلاح المدفأة المعطلة في ذلك البرد الشديد!!
منفسة معطلة!!
المنفسة التي يتم استخدامها في المشفى، لا تعمل بشكل صحيح، وبالتالي يخدعون بها المرضى لأنها لا تعطي أية فائدة عند استخدامها، والجميع يعلم أن المنفسة لا تعمل، ومع ذلك لا أحد يتحرك من أجل إصلاحها، مع أنها كلَّفت الملايين من الليرات، والأسوأ من هذا أن مرحلة الإنعاش تخوَّل أحيانا لطلاب السنة الأولى في كلية الطب البشري، وهي التي تتطلب خبرةً كبيرةً في إجرائها!!
من هنا وهناك
رأينا بأم أعيننا كيف تطير الصراصير في قسم حاضنات الأولاد، والتي من الممكن أن تدخل في أنف أي طفل لسوء الرعاية وضعف المراقبة، حتى في قسم الرحميات كانت الحشرات والصراصير على الطاولة وبين الأدوية وعلى شراشف المرضى... عيادة الإسعاف مكانها غير مناسب أبداً بسبب وجودها مقابل مكتب القبول، وهي التي يمكن أن تتواجد فيها أية مريضة بوضع غير طبيعي (ولادة مفاجئة أو نزيف)، وهذا يعتبر استهانة بمكانة المرأة، وعدم احترامٍ لخصوصيتها، ومع أن وجود مصعد يعد ضرورياً لقسم الإسعاف إلا أن ذلك يعد حلماً صعب المنال، لأن قسم المخاض، الذي كان فيه مصعد فيما مضى، فقد بقدرة قادر ولم يبقَ منه سوى الهيكل.... في السابق كان يُعطى لكل طفل متخرج بطاقة خروج، حتى يتم التأكد من نسبه بشكل دقيق، أما الآن فالعكس يطبق تماما، فليس هناك أي دليل على نسب الطفل، وهذا بالذات كان أحد أسباب حادثة اختطاف الطفل التي ذكرناها... بالإضافة إلى إرهاق الممرضات بالعمل لخدمة أكثر من 30 مريضة، مما يجعلهن غير قادرات على إرضاء الجميع بالمستوى نفسه، مما تسبب بمشاكل عدة، نتيجة مفهوم الواسطة الدارج في نقاش وبحث أي موضوع أو مشكلة....والتمديدات الصحية بصورة عامة سيئة جداً، وخاصةً قسم المخاض الذي يظل الماء فيه متجمعاً، مما يسبب انبعاث الروائح الكريهة من الحمامات... ولعل رؤية «جرذ» في إحدى الغرف حادث مألوف للكثير من الممرضات والزوار، الأمر الذي يؤكد التوزيع الخاطئ للأقسام في المشفى.
بعد هذا العرض لأوضاع مشفى التوليد الجراحي، يحق لنا أن نطرح الكثير من الأسئلة التي لا بد من الإجابة عليها، وأولها أين تذهب الميزانية المعتمدة من أجل الإصلاح والترميم؟ لماذا لا يتم فصل قسم الإسعاف عن مكتب القبول الذي يشهد ازدحاماً في كل الأوقات؟ أي مشفى توليد هذا وهو لا يمتلك منفسة و قسم تعقيم وحواضن نظيفة؟ هل قرار اتخاذ القبو لعدة استخدامات من قبل المدير صحيح أم لا؟ لماذا هذا العبث بالممتلكات العامة من بعض المسؤولين الذين أصبحت مهمتهم الوحيدة هي التخريب؟
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.