اعتصام سائقي الشاحنات والبرادات.. رسائل واضحة
ثلاثة إضرابات واعتصامات حصيلة يوم واحد من أيام شهر حزيران الجاري، والحبل على الجرار. كلها ضد السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي ينتهجها الفريق الاقتصادي، الذي لم يترك مفصلاً من مفاصل الاقتصاد الوطني بحالة سليمة، غير مبال بما قد بدأ ينتج عن إجراءاته من مخاطر رمي آلاف مؤلفة من الأسر الفقيرة على قارعة الطريق، لتواجه مصيرها المجهول..
إن الإضرابين اللذين نفّذهما عمال الكبريت والإنشاءات، من أجل صرف رواتبهم يوم الثلاثاء 3/6/2008، كانا يحملان لوحدهما الكثير من الإشارات والمعاني، كيف لا وقد انضم إليهما الاعتصام الكبير الذي قام به اتحاد الجمعيات التعاونية للشاحنات المبردة والشاحنات العادية، أمام مقر رئاسة مجلس الوزراء الجديد، من أجل إيجاد حل للصعوبات التي يتعرض لها أسطول النقل البري المبرد والعادي في اليوم ذاته؟؟
اعتصام العشرات من سائقي الشاحنات والبرادات يستحق وقفة طويلة لما يعكسه من تخبط السياسات الاقتصادية، وعدم مراعاتها لمصالح أبناء الوطن على اختلاف مهنهم، وخاصة الذين يعملون في المهن الشاقة والدقيقة.
التهديد بحق الإضراب!
«قاسيون» كانت الوحيدة في مكان الحدث، بغياب الوسائل الإعلامية المرئية والمكتوبة والمسموعة، وأجرت لقاءات مطولة مع المضربين الذي طالبوا المسؤولين في الحكومة بحل سريع وعاجل لمشكلة تسعيرة المازوت العالية وكمياتها الملزمة، حيث طالبوا بالعدول عن توصية اللجنة الاقتصادية رقم 10 تاريخ 24/3/2008 المتضمنة إلزام الشاحنات المغادرة للقطر بدفع فارق سعر المازوت بالسعر العالمي، الذي يصل إلى 59 ل.س. وإلزامها بتعبئة 900 لتر مع أنها قد لا تحتاج لأكثر من 250 لتراً.
إن استمرار العمل في هذه التوصية له تداعيات وسلبيات كبيرة على أسطولنا داخلياً وخارجياً في الدول المجاورة، مما يؤدي إلى القضاء المبرم على النقل، وعدم إيجاد فرص عمل للأسطول السوري المشترك والعاملين فيه والذين يعيلون أكثر من ثلاثين ألف أسرة سورية، وتحويلهم إلى عاطلين عن العمل.
المعاملة بالمثل
إن أولى نتائج التوصية جاءت من السعودية وذلك بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل إذا طبق هذا الإجراء، فقد طلبت السعودية من السفارة السورية بالرياض عبر وزارة الخارجية السعودية، العمل على إلغاء الرسوم المتوجبة على الحافلات السعودية عند خروجها من سورية وذلك لما تشكله وفق رأي السعودية من تناقض للاتفاقية الثنائية في مجال النقل البري وأيضاً للاتفاقيات المعمول بها بين البلدين. وأشار طلب وزارة الخارجية السعودية لضرورة قيام سورية بإلغاء هذه الإجراءات خلال مدة أقصاها أسبوعان من تاريخه، وإلا ستقوم السعودية بتطبيق الإجراء نفسه على الشاحنات السورية العابرة للسعودية، من مبدأ المعاملة بالمثل، وإذا طبقت السعودية ذلك، يعني ختم خزانات الوقود للشاحنات السورية، في المنافذ الحدودية السعودية عند القدوم إليها، وحرمانها من التزود بالوقود داخل السعودية، لتستطيع قطع المسافات الكبيرة التي تقدر بـ/1500، 2200/كم علماً أن سعر لتر المازوت داخل السعودية هو 3 ليرات سورية فقط وأن 70 % من الشاحنات السورية في النقل لدول الخليج، تعتمد على التزود بالوقود من السعودية ذهاباً وإياباً.
حق شرعي وقانوني
بناء على المعاناة التي يعانيها مالكو سيارات البراد أو الشحن بشأن تحديد كمية وسعر مادة المازوت الذي يتم التعامل بها مع السيارات سواء كانت سورية أو غير سورية عند خروجها من القطر وبعد أن تم تحديد كمية المازوت بقرار السيد مدير الجمارك العامة بالكتاب رقم 14546 تاريخ 24/1/2008 والذي ألحق ضرراً بالغاً بالناقلين، أثر على عملية النقل بشكل عام، وسينعكس ذلك سلباً على عمليات التصدير للمواد المختلفة ويلحق الضرر بالاقتصاد.
أرسل الاتحاد التعاوني للنقل بمحافظتي دمشق وريفها، اقتراحاً إلى رئيس مجلس الوزراء وآخر إلى القيادة القطرية مكتب المنظمات الشعبية، يطالبون فيها بحقهم الشرعي والقانوني باستمرار العمل بقرار رئيس مجلس الوزراء السابق ذي الرقم 5408 تاريخ 1/7/2006 القاضي بالسماح للسيارات الخارجة من القطر بكمية 400 ليتر للبرادات و250 لتراً للشاحنات العادية، بالسعر المتداول به في القطر، والكمية التي تزيد عن ذلك إلى 1200 لتر للبرادات و100 لتر للشاحنات العادية، يمكن أن يطبق عليها السعر العالمي المحدد من شركة المحروقات. مع العلم أن الشاحنات السورية تدفع فارق سعر المازوت عند الترسيم الدوري، في مديريات النقل مبلغ 28.800 ل.س إضافة إلى مبلغ 300 ل.س فارق سعر المازوت عن كل خروج من أي مركز حدودي سوري منذ عام 1990 وحتى هذا التاريخ، وتدفع مبلغ 15000 ل.س تحت رسم موحد وهو في الأصل رسم المازوت + رسم سنوي، مع التنويه إلى أن التعليمات الصادرة بكتاب رئاسة مجلس الوزراء رقم 2788/1 تاريخ 26/3/2008 وتوصية اللجنة الاقتصادية بالجلسة رقم 10 تاريخ 24/3/2008 يلزم فيه السيارات العاملة على المازوت المغادرة إلى دول الجوار بتسديد فارق سعر المازوت بين السعر المحلي وسعره عالمياً، أي أن سعر اللتر الواحد أحياناً يصل إلى 59 ليرة سورية، والكميات في المنافذ الحدودية إجبارية، حيث تتزود الشاحنة العادية 650 لتراً والشاحنة المبردة 950 لتراً والباص 400 لتر والميكروباص 200 لتر والسيارات الأخرى 100 لتر، هذه التعليمات جاءت ظالمة وجائرة للشاحنات السورية، ما أدى إلى عدم القيام بالمهمة التي وجدت من أجلها، وعدم قدرة أصحابها والعاملين عليها من تأمين قوتهم وقوت عيالهم بسبب توقفها عن العمل.
ـ الرسوم والخزينة والتجار
إن المصدرين من تجار الخضار والفواكه والبضائع العادية أصبحوا يصدرون بضائعهم في الشاحنات الأجنبية والعربية المتواجدة أصولاً في القطر، والسبب يعود إلى أن هذه الشاحنات توفر على التاجر مبلغ 40.000 ألف ليرة سورية للشاحنة المبردة، ومبلغ 26.000 ألف ليرة سورية للشاحنة العادية، عن أجرة النقل بالشاحنات السورية، بسبب دفع فرق سعر المازوت، علماً أن الشاحنات السورية تدفع 120.000 ألف ليرة سورية رسوم مازوت سنوية إلى الخزينة.
تدفع الشاحنة رسوم نقل حسب المعادلة التالية: الوزن القائم × المساحة × 0.5 %.
وتدفع مبلغ 200 دولار ذهاباً و200 دولار إياباً عند مرور الشاحنة السورية ترانزيت في الأراضي الأردنية، علماً أن جميع الشاحنات العربية معفية من الرسوم والضرائب في الأردن وسورية!
ممنوع الدخول
عقد أصحاب تلك السيارات اجتماعاً موسعاً مع اتحاد غرف التجارة السورية بتاريخ 6/4/2008، حضره ما يزيد عن 60 سائقاً، وتوصلوا إلى مجموعة من المقترحات تضمن كل المطالب، مع إضافة بند يهيب بالسلطات السورية المعنية من أجل تشديد الرقابة على موظفي الجمارك ومسؤول الكشف في المنافذ الحدودية، منعاً لحالات الابتزاز التي يتعرض لها السائقون يومياً، خاصة وأن عمليات التهريب لا تتم غالباً عبر المنافذ الحدودية النظامية، كما أنها لا تتم عن طريق الشاحنات والبرادات التي لا تستطيع أن تحمل أكثر من الكمية اللازمة للطريق. وكلف د. راتب الشلاح، رئيس اتحاد غرف التجارة السورية، بتسليم المقترحات النهائية لرئيس الحكومة التي قوبلت بالرفض وعدم مقابلته.
ضرب الاقتصاد الوطني
إن النقل الخارجي الذي يدفع بدل جمارك حوالي ستة مليارات ليرة سورية سنوياً، ويدخل إلى خزينة الدولة، كضرائب مختلفة، سبعمائة مليون ليرة سورية سنوياً. لذلك يجب أن يعامل كباقي وسائل النقل الأخرى. وإن القرار الأخير أدى إلى منعكسات خطيرة جداً، منها: وأد السيارات السورية، وأثر تأثيراً كبيراً على الفلاحين لتصدير منتجاتهم الزراعية، ألغت عقود تصدير القطاع العام، وأصبحت ساحة النقل الخارجي في سورية حكراً للسيارات العربية المنافسة.
إن استمرار هذا القرار سيؤدي إلى القضاء على شريحة واسعة من العاملين، وتحويلها إلى جيش إضافي من العاطلين عن العمل، يعيشون عالة على الوطن بدلاً من أن يسهموا في بناء اقتصاده. وقد تم رفع مذكرات إلى كل من رئيس الجمهورية، ورئاسة مجلس الوزراء، والنائب الاقتصادي، ووزير النقل، والقيادة القطرية، واتحاد غرف التجارة السورية، فهل سيلاقون آذاناً صاغية تنصفهم؟!
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.