الفساد .. الراعي الأول لتخلف الدول الفقيرة
ن ظاهرة الفساد في المجتمعات النامية تحولت إلى سلوك ممنهج في حياة معظم الدول التي تنهكها التبعية، وقد أدى هذا السلوك إلى تداعيات خطيرة في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لتلك الدول. وتشير تقديرات البنك الدولي والأمم المتحدة إلى أن قيمة العائدات غير المشروعة من الفساد والتهرب الضريبي عبر الحدود تقدر بنحو /5 %/ من الناتج العالمي، وفي عالمنا العربي تقدر هذه العائدات بحوالي /300/ مليار دولار.
فعلى الصعيد الاقتصادي يلعب الفساد دوراً خطيراً في تراجع معدلات النمو الاقتصادي، إذ أن معظم المشاريع الاستثمارية تخضع لـ«قانون» الرشوة، مما يدفع أصحاب هذه المشاريع إلى رفع كلفتها مما يؤدي بشكل مباشر إلى خفض عوائد الاستثمار. كما يؤدي الفساد إلى تردي البنى الأساسية وتراجع الخدمات العامة، بسبب الطرق غير السليمة أخلاقياً وقانونياً في تعاقد الجهات الحكومية مع المتعهدين، والذي ينجم عنه بالتالي، سوء تنفيذ هؤلاء المتعهدين للبنى الخدمية، مما يؤدي كنتيجة حتمية إلى تبديد الموارد وإهدار المال العام، الأمر الذي سرعان ما ينعكس سلباً على الطبقات الفقيرة والمتوسطة في المجتمع، وذلك من خلال فرض رسوم وضرائب جديدة عليها لتعويض الفاقد المهدور.
وعلى الصعيد الاجتماعي، لا تقل مخاطر الفساد خطورةً عن الجانب الاقتصادي للفساد، حيث يلعب دوراً مهماً في ازدياد معدل الفقر والبطالة والأمراض الاجتماعية، كما يساهم بشدة في ترسيخ مجموعة من القيم السلبية في المجتمع، ولعل أبرز تجليات دور الفساد في الحياة الاجتماعية تنعكس في تدني مستوى المعيشة وازدياد عدد الفقراء وتراجع الرفاه الاجتماعي للفرد وانتشار الإدمان والدعارة والسرقة وغيرها... كما يؤدي الفساد إلى تمركز الثروة في أيدي قلة من المجتمع، ويحرم باقي الفئات من تنعمهم بهذه الثروة والاستفادة منها. كما يسهم الفساد في تدني القيم الأخلاقية في المجتمع وتراجع مستوى التعليم والخدمات الصحية، وهذا ينتج عنه بالضرورة تفشي الإحباط واليأس في عمل وإبداع أفراد المجتمع، ويدفع بذوي الكفاءات العلمية وذوي المهارات الخاصة والمتميزة منهم إلى الهجرة خارج مجتمعهم بسبب عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ونتيجة آلية المحاباة والمحسوبيات في المناصب الهامة والرفيعة.
ومن الآثار السياسية لظاهرة الفساد في المجتمع أنه يؤدي إلى فوضى وخلل عام في المعادلات الاجتماعية، مما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي للدولة وإضعاف ثقة المواطن بعمل المؤسسات المختلفة.
ويتسبب الفساد في عدم عدالة توزيع الدخل والموارد، مؤدياً إلى زيادة العنف وإلى ضعف الاستقرار السياسي في المجتمع.
ومن المهم الإشارة إلى دور الفساد في تعطيل البرامج التنموية والإصلاحية الحقيقية للدولة من خلال تعطيله للدور الجماهيري في المشاركة في صنع القرار، ولا ننسى أخيراً مساهمة الفساد في إيصال عديمي الخبرة والكفاءة إلى المناصب الهامة في مفاصل الدولة، الأمر الذي يكرّس التخلف والتبعية والتخبط.