الشباب الفلسطيني في سورية... بين اليأس والأمل

الشباب.. هي المرحلة العمرية التي تحتل الموقع الأهم في أي قراءة ديمغرافية لمجتمع ما، لما لهذه الفئة وما تمثله من عظيم الأثر في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية وحتى السلوكية، فحين تكون هذه الفئة واعية وفعالة وتعرف ماذا تريد، نجد أنفسنا أمام مجتمع قوي معافى.. وحين ينحسر دورها، وتتهمش تكون الطامة الكبرى..

ويأخذ البحث في مسألة الشباب عموماً ومميزاته وواقعه طابعاً شديد التعقيد، ويزداد هذا الأمر تعقيداً وتداخلاً عند الحديث عن الشباب الفلسطيني بالذات، لما تفرضه حالة الشتات القسري الذي يعيشه الجزء الأكبر من شعبنا الفلسطيني في بلدان اللجوء من ظروف خاصة، وخضوع الجزء المتبقي لواقع الاحتلال وإفرازاته..

وبتخصيص الحديث عن الشباب الفلسطيني في سورية نجده كحال الشعب الفلسطيني ككل في سورية يتوزع بمعظمه على المخيمات الفلسطينية والتي بلغ عددها /11/ مخيماً حسب سجلات دوائر الأونروا، ناهيك عن بعض التجمعات التي لم تكتسب صفة المخيم، إضافة لتواجد بعض النسب في المدن الكبرى.

الشباب الفلسطيني انخرط في النسيج المجتمعي السوري بقوة، لذلك، شأنه شأن الشباب السوري، راح يتأثر بظروف سورية العامة السياسية والاقتصادية والثقافية وبما أن الأوضاع الاقتصادية لأبناء المخيم تتقارب نسبياً بحيث لا تتبلور طبقة غنية بشكل حقيقي، ولا طبقة معدمة بمعنى الكلمة، باستثناءات قليلة، فقد أدى هذا إلى خروج قطاعات كبيرة من الشباب الفلسطيني باتجاه الانخراط في صفوف الطبقة العاملة السورية، كما لعب التعليم من حيث اقتصار مدارس وكالة الغوث على المرحلتين الابتدائية والإعدادية دوره في اختلاط الشباب الفلسطيني بالشباب السوري، ولكن أهم ما تميز به الشباب الفلسطيني في سورية تاريخياً عن غيره من الشباب الفلسطيني في بلدان اللجوء هو تجربته النضالية الكبيرة، ومعارفه العسكرية التي يتمتع بها نتيجة لتأديته الخدمة الإلزامية في جيش التحرير الفلسطينية، حتى إنه من النادر أن تجد شاباً فلسطينياً في سورية لا يستطيع استخدام السلاح.

لكن الملفت اليوم، وخصوصاً بعد توقف العمل الفدائي (من الخارج)، وتنامي الاتجاهات التسووية في منظمة التحرير الفلسطيني، والتراجع العام التنظيمي والفكري الذي شهدته الفصائل الفلسطينية ومنظماتها الشبابية، وما تلى ذلك من نكبات وويلات كان آخرها احتلال العراق وما تمارسه المؤسسات الإعلامية الإمبريالية من غزو فكري عقائدي قيمي على عقول الناشئة، ناهيك عما يثقل كاهل الشاب من الهم الاقتصادي والاجتماعي ومتطلبات الحياة من عمل وسكن وزواج؛ بعد كل ذلك، بتنا نرى تنامي ظاهرة اليأس واللامبالاة والعزوف عن الاهتمام بالقضية الوطنية لدى هؤلاء الشباب، والتي تجلت بحالات غير مسبوقة من الظواهر المتناقضة كالابتذال العبثي اللامبالي، أو النزق الباحث عن الحلول في الوجوديات الكلية أو الغارق في الغيبيات إلى حد الغيبوبة الحيادية، أو انتشار التزمت والتطرف الفكري... ومرد ذلك لما يعرف عن الشباب من قصر النظر وقلة الخبرة وسرعة نفاذ الصبر.

تلك حال الشباب الفلسطيني في سورية، هذه الحال التي صارت تنذر بالخطر إذا لم تولَ الاهتمام اللازم والمعالجة السليمة ممن يهمهم أمر الشباب الفلسطيني، وفي مقدمتهم المنظمات الشبابية لفصائل المقاومة الفلسطينية، فالشباب الفلسطيني كان ومايزال وسيبقى الحامل الأساسي للقضية الفلسطينية والرافد الذي لا ينضب للثورة، وهو الأمل، كل الأمل بتحريره كامل التراب الفلسطيني.