قراءة في المرسوم /49/ وتعديلاته..
يُعدُّ الدستور القانون الأساسي والأعلى في البلاد، ولا يجوز أن يخالفه أي قانون أو مرسوم تحت طائلة عدم التطبيق، ولذلك فإن على المشرع أن يراعي دستورية القانون قبل إصداره، فإذا لم يفعل ذلك، فإن على المحاكم أن تمارس دورها الوظيفي الناجم عن فصل السلطات الثلاث: التشريعية القضائية والتنفيذية، وتطبيق مبدأ الرقابة على دستورية القوانين المعروضة أمامها، مما يمكِّنها من إبطال مفعول القانون المنافي للدستور، أو إبطال الأحكام والفقرات اللادستورية فيه على الأقل.
وقد صدر بتاريخ 10/9/2008 مرسوم جمهوري لتعديل القانون 49/2004 حول التملك في المناطق الحدودية، ويعاني هذا القانون وتعديلاته العديد من الثغرات الدستورية والقانونية، نجملها فيما يلي:
أولاً: تنصُّ المادة 14/3 من الدستور على ما يلي: «الملكية الفردية: تشمل الممتلكات الخاصة بالأفراد، ويحدد القانون وظيفتها الاجتماعية في خدمة الاقتصاد الوطني».
وتخالف المادة /3/ فقرة /1/ من القانون 49/2008 الدستور بشكل صريح، حيث أنها تعلّق حق التملك للمواطن السوري في المناطق الحدودية على قرار يصدر عن وزير الداخلية، بعد اقتراح وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، وبعد أخذ موافقة وزارة الدفاع.
إن تعليق الملكية على قرار من السلطة التنفيذية مناف للدستور، لأنه ينسف مبدأ فصل السلطات، حيث لا يُعلق حق التملك لأي مواطن إلا بواسطة السلطة القضائية، بناءً على أسباب متعلقة بالنزاعات القضائية.
ولا يجوز بأي شكل من أشكال أن تنتزع أية سلطة من السلطات الثلاث حق التملك من أي مواطن كان، حسب نص الدستور لأن لكلٍّ مواطن حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره.
ثانياً: يخالف القانون بشكل صريح مبدأ فصل السلطات، بانتزاعه صلاحيات السلطة القضائية، حيث نصَّ المرسوم 49/2008 على أن قرار وزير الداخلية غير قابل للمراجعة بأي شكل من الأشكال. ونصت المادة /3/ فقرة /ب/: «إن رفض وزير الداخلية قطعي لا يقبل أي طريق من طرق المراجعة».
وبما أن للمؤسسة القضائية أن تنظر في أية واقعة مهما كانت، إذا أدت هذه الواقعة إلى إلحاق الضرر بالمواطن، فإن تعليق الموافقة على حق التملك الفردي لمنزل متواضع، أو قطعة أرض يعيش منها المواطن، ولو كانت مساحتها دونماً واحداً، على الرغبة الشخصية لأحد ممثلي السلطة التنفيذية، المبنية على استنتاجات وقناعات لا يطالها الاستقصاء والتحري من القضاء، هو إلغاء لفعالية القضاء، وإدانة مسبقة للمرفوض طلبه للتملك، والذي يجب أن يمنحه القضاء، أو بالأحرى أن يطبِّق القضاء ما منحه إياه الدستور من حقوق، وبهذا فإن القانون قد شابته مخالفة الدستور، خاصةً وأن للسلطة التنفيذية وفقاً له أن ترفض الطلب مراراً وتكراراً، وإلى الأبد، دون إبداء الأسباب. وهذا يخالف صراحةً الحق الدستوري: في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لإنصافه من أعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحها له الدستور.
لكل إنسان الحق، على قدم المساواة مع الآخرين، في أن تُنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة، نظراً عادلاً علنياً، للفصل في حقوقه والتزاماته.
ثالثاً: يتجاهل القانون المبدأ الشهير القائل بأن: «المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، وهذا يتطابق مع الدستور في المادة 28 الفقرة (1): «كل متهم بريء حتى يدان بحكم قضائي مبرم»، فمن المعروف أن الدستور الحديث والقوانين المعاصرة، ومنذ الثورة الفرنسية تؤكد على واحد من أهم مبادئ العدالة الوارد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو: «المتهم بريء حتى تثبت إدانته» وذلك خلافاً للقانون الذي كان سائداً في محاكم التفتيش، وقضاء العصور الوسطى الذي يعتبر أن: «المواطن مجرم حتى تثبت براءته».
وفي القانون الذي نناقشه فإنه بدلاً من أن تقوم الجهات الأمنية بالتحري بدقة عن أي «مجرم» يريد شراء أراضٍ أو منازل على الحدود لأسباب إجرامية (التجسس، تغيير شكل الملكية من وطني لأجنبي... الخ) وإحالته إلى القضاء في حال تأكدها من غايته الإجرامية... بدلاً من كل هذا فإن القانون يمنع المواطن من التملك نهائياً على المناطق الحدودية، ويعتبر كل مواطن وكأنه مشروع مجرم يمنع من التملك، ثم يعطى صك براءة بعد ثبوت حسن نيته، بالسماح له بالتملك، أي أن القانون يطبق مبدأ: «المواطن مجرم حتى تثبت براءته». وفي هذا خرق للدستور وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
رابعاً: الدساتير والقوانين الحديثة، واعتباراً من الثورة الفرنسية تعتمد على مبدأ فردية العقوبة. فالعقوبة تمسُّ المجرم وحده فقط، ولا يجوز تطبيق العقوبات الجماعية تحت أية ذريعة.
ولكن في القانون المذكور، يبدو أن اكتشاف الأجهزة الأمنية لبعض حالات الشراء المشبوهة للأراضي الحدودية، قد دفع السلطة التشريعية لسن قانون يعاقب جميع سكان المناطق الحدودية في سورية، إذا خطر لهم شراء أو بيع عقار في المناطق الحدودية. حيث يجبرون على خوض معركة إدارية طويلة، في ظل النهب والفساد المتفشيين في العديد من دوائر الدولة، وهذا سوف يحول معاملة التملك أو البيع إلى عقوبة بيروقراطية ومالية طويلة، والحديث عن نزاهة السادة الوزراء وقادة الأجهزة لا يكفي لوحده، فالسلسلة البيروقراطية طويلة، وسوف تبتزُّ إحدى حلقاتها المال من المواطن. وهذه عقوبة جماعية بامتياز، حيث لا يقارن تعب وعذاب ملاحقة المعاملة في ثلاث وزارات وعشرات الدوائر، ونفقات الانتقال والانتظار، بأية عقوبة حتى لو كانت السجن، فالسجن أرحم من ذلك. والمفترض أن تكون العقوبة فردية، وأن تنال من اشترى أو باع للإضرار بالوطن.
لكل هذا فإن القانون وتعديلاته يخالفان الدستور مخالفةً صريحة، مما يدفعنا إلى طلب عرض القانون على المحكمة الدستورية لإعلان بطلانه، وتطبيق الفقرة (3) من المادة 145 من الدستور: «إذا قررت المحكمة الدستورية مخالفة القانون أو المرسوم التشريعي للدستور يُعتبر لاغياً ما كان مخالفاً منهما لنصوص الدستور بمفعول رجعي، ولا يرتب أي أثر»!!